قد يكون صوم مرضى السكري من النوع الثاني صعبًا ولكنه ليس مستحيلًا
الهيئة:  معهد قطر لبحوث الطب الحيوي
News Detail Image

يحمل شهر رمضان في طياته فوائد روحانية وجسدية وتحديات صحية لمرضى السكري، إذ يمكن أن يؤدي الصيام من الفجر حتى غروب الشمس إلى تذبذب مستويات السكر في الدم، مما يعكس ضرورة التعامل مع مرضى السكري بعناية فائقة خلال هذه الفترة. ويتطلب مرض السكري - وهو حالة مرضية مزمنة يسعى فيها الجسم لتنظيم مستوى الجلوكوز في الدم- مراقبة مستمرة وضبطًا للأدوية ونمط معين للحياة. وبالرغم من المخاطر المنطوية على الصيام، مثل: انخفاض مستوى السكر في الدم أو ارتفاعه، إلا أن الأبحاث قد أظهرت أنه يمكن أن يساهم الصيام في تحسين نسبة السكر في الدم وفوائد صحية أخرى عند اتباع نهج صحيح ومناسب.

ويستعرض هذا المقال تأثير الصيام خلال شهر رمضان في التحكم بمرض السكري، ويركز بشكل خاص على تأثيره في التحكم بنسبة الجلوكوز بالدم، وحساسية الأنسولين، وتنظيم الوزن. واستنادًا إلى الدراسات العلمية، يتناول المقال النتائج الإيجابية المترتبة على تحسين حساسية الأنسولين ونسبة السكر في الدم. كما تركز رسالته الرئيسية على أهمية التخطيط الدقيق، والمراقبة المنتظمة، وتلقي استشارات من مقدمي الرعاية الصحية المختصين في التحكم بمرض السكري لضمان صوم آمن ومناسب، فضلًا عن استفادة مرضى السكري من الفوائد الصحية الكبيرة للصوم.

آثار الصيام ومرض السكري:

يؤثر الصيام على العديد من العمليات الفسيولوجية ويترتب على ذلك العديد من التداعيات المرتبطة بالتحكم في مرض السكري، وتشمل هذه الآليات تغيرات في العمليات الأيضية، وحساسية الأنسولين، وحرق الدهون. كما من الممكن أن يساهم صيام شهر رمضان في تحسين حساسية الأنسولين، خاصةً لدى مرضى السكري من النوع الثاني (T2D). ويشير مصطلح حساسية الأنسولين إلى مدى استجابة الجسم للأنسولين، وهو أمر بالغ الأهمية للتحكم في مستويات الجلوكوز في الدم. وخلال فترات الصيام، تنخفض حاجة الجسم للأنسولين وتصبح الخلايا أكثر استجابة للأنسولين، الأمر الذي يقلل من مقاومة الأنسولين، إذ تدفع فترات الصيام الطويلة، كما هو الحال في صيام شهر رمضان، الجسم إلى حرق الدهون كمصدر أساسي للطاقة عوضًا عن الجلوكوز. كما يمكن أن تساعد هذه العملية، المعروفة باسم الكيتوزية، في فقدان الوزن وتحسين عمليات الأيض.

وبالنسبة لمرضى السكري من النوع الثاني (T2D)، فإن فقدان الوزن يعد أمرًا مفيدًا كونه غالبًا ما يحسن من نسبة السكر في الدم ويقلل من الحاجة إلى استخدام الأدوية، ويحفز الصيام أيضًا عملية تُعرف باسم الالتهام الذاتي، يقوم فيها الجسم بتكسير الخلايا التالفة والتخلص منها. كما تساعد آليات الإصلاح الذاتي على تقليل الالتهابات وتعزيز صحة عمليات الأيض، الأمر الذي قد يقلل من المضاعفات المترتبة على مرض السكري، مثل: الاعتلال العصبي، وأمراض القلب، والأوعية الدموية. وبينما يتضمن صيام شهر رمضان الكريم ممارسات محددة، فإنه من الجيد مقارنته بأشكال أخرى من الصيام لفهم دوره في التحكم بمرض السكر بشكل أفضل.

ويعد الصيام المتقطع نهجًا شائعًا، حيث يتناوب فيه الفرد على فترات متقطعة من الأكل والصيام. وأظهرت الدراسات أن الصيام المتقطع يمكن أن يحسن من حساسية الأنسولين، ويقلل من مستويات السكر في الدم، ويعزز فقدان الوزن، كما هو الحال عند صيام شهر رمضان؛ فهو أيضًا يتضمن فترات محددة لتناول الطعام.

ويؤدي حصر تناول الطعام على ساعات معينة في اليوم إلى تحسين مستوى السكر في الدم وتقليل خطر الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني. كما تم دراسة فترات الصيام الطويلة - لمدة 24 ساعة - لمعرفة تأثيرها على العمليات الأيضية؛ وأظهرت النتائج أنه يمكن أن تساهم فترات الصيام الطويلة في فقدان الدهون وإعادة ضبط حساسية الأنسولين، إلا أنها قد لا تناسب جميع مرضى السكري، وخاصة الذين يستخدمون الأنسولين.

نتائج الدراسة:

أسفرت الدراسات حول الصيام خلال شهر رمضان وتأثيره في التحكم بمرض السكري عن نتائج متباينة، نظرًا لعدة عوامل، منها: نوع مرض السكري، ونظام العلاج، والحالة الصحية الفردية. كما أظهرت النتائج أن الأفراد الذين يعانون من داء السكري من النوع الثاني أظهروا تحسنًا في نسبة السكر في الدم بعد صيام شهر رمضان؛ فعلى سبيل المثال، أفادت دراسة نُشرت في مجلة Diabetes Care أن صيام شهر رمضان قد ساهم في خفض مستويات HbA1c - وهو مؤشر رئيسي للتحكم في مستوى الجلوكوز في الدم على المدى الطويل - وحسّن من حساسية الأنسولين، فضلًا عن فقدان الوزن، وتعد هذه نتائج في غاية الأهمية فيما يتعلق بسبل التحكم في مرض السكري من النوع الثاني (Al-Maskari, F., et al. (2007) (T2D).

وتشير الدراسات إلى أنه يتعين على مرضى السكري من النوع الأول توخي الحذر أثناء الصيام كونهم الأكثر عرضة للإصابة بانخفاض مستوى السكر في الدم، فلقد أظهرت دراسة في مجلة Diabetic Medicine أن بعض مرضى السكري من النوع الأول شهدوا زيادة في مستوى السكر بالدم نتيجة انخفاض استخدام الأنسولين أثناء صيامهم، مما يسلط الضوء على الحاجة إلى الرعاية الفردية المتخصصة ((Ghosh, A., et al. (2011). وأظهرت دراسات أخرى فوائد عامة لصيام شهر رمضان تتمثل في: تحسّن عمليات الأيض، وتحكم أفضل في مستوى السكر بالدم، علاوة على انخفاض مؤشرات الالتهابات، ولكن، ورغم كل ذلك فقد شددوا على ضرورة مراقبة مستويات الجلوكوز في الدم بعناية خاصة خلال ساعات الصيام الطويلة (Saleh, F., et al. (2020).

وأخيرًا، اقترن صيام شهر رمضان بتحسن في نسب الدهون وانخفاض مستويات الدهون الثلاثية والكوليسترول في الدم، الأمر الذي يقلل من خطر الإصابة بالمضاعفات الشائعة لمرض السكري من أمراض القلب والأوعية الدموية.

الإرشادات والتوصيات الطبية:

لضمان صيام آمن لمرضى السكري يتعين التخطيط الدقيق والمراقبة المستمرة لتجنب حدوث مضاعفات. ومن الضروري جدًا أن يستشير المصابون بمرض السكري مقدمي الرعاية الصحية قبل الشروع بالصيام، إذ يتعين تقييم حالتهم الصحية لتقديم توصيات فردية مخصصة ومناسبة. كما يجب عليهم مراقبة مستويات الجلوكوز في الدم عن كثب طوال فترة الصيام، وخاصة قبل وبعد الوجبات، للكشف عن أي تذبذبات في مستويات السكر. ويعد الترطيب المناسب والكافي للجسم أمرًا بالغ الأهمية، إذ يمكن أن يؤدي الجفاف إلى تغييرات خطيرة في نسبة السكر في الدم. ومن الممكن إحداث بعض التعديلات على الأدوية، مثل: الأنسولين أو الحبوب لمنع انخفاض مستوى السكر في الدم أو ارتفاعه، فضلًا عن تناول وجبات متوازنة من الألياف والبروتين والدهون الصحية أثناء ساعات الفطور للحفاظ على ثبات مستويات السكر في الدم. وعلاوة على ما سبق، يجب تقليل النشاط البدني أثناء فترة الصيام للحد من خطر انخفاض نسبة السكر في الدم، كما يتعين التعرف على أعراض انخفاض السكر في الدم، مثل: الدوخة، أو التعرق، أو الارتباك، إضافة على الحرص على تواجد مصدر سريع للحصول على السكر في متناول اليد عند الضرورة. ويجب ألا يصوم مرضى السكري في حال كانوا يعانون من مستويات سكر غير منضبطة، أو أمراض مزمنة، أو في حال كانوا يعانون من مضاعفات مرض السكري.

ويحمل شهر رمضان في طياته تحديات وفوائد لمرضى السكري، ففي حال تم الالتزام بنصائح وإرشادات المختصين في القطاع الصحي سيحسن الصيام من حساسية الأنسولين، ويعزز فقدان الوزن، فضلًا عن مساهمته في التحكم بمستوى الجلوكوز في الدم، ولكن، قد يؤدي الصيام أيضًا إلى انخفاض مستوى السكر في الدم و فقدان السوائل، ويجب أن يتم التعامل بحذر مع هذه المضاعفات، من خلال تلقي الاستشارات الطبية، ومراقبة مستويات الجلوكوز في الدم بانتظام، واتباع نظام غذائي متوازن، وعندها سيكون بمقدور مرضى السكري الالتزام بصيام رمضان بأمان مع مراعاة حالتهم الصحية.