ما الدروس التي تعلمتها البشرية بعد عام من تدابير الإغلاق؟
الهيئة:  كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية
ما الدروس التي تعلمتها البشرية بعد عام من تدابير الإغلاق؟

يصادف شهر مارس الجاري ذكرى مرور عام تقريبًا على بدء العديد من البلدان حول العالم في إصدار أوامر إغلاق على الصعيد الوطني للحد من انتشار جائحة كوفيد-19. وقد تحدثنا إلى الدكتور مارك أوين جونز، الأستاذ المساعد في قسم الدراسات الشرق أوسطية والعلوم الإنسانية الرقمية بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية في جامعة حمد بن خليفة، عضو مؤسسة قطر، وسألناه عن الدروس التي تعلمتها الإنسانية من تدابير التباعد الاجتماعي، إن وجدت.

1. عندما بدأت تدابير الإغلاق للمرة الأولى، كانت قصيرة المدى نسبيًا، ولكن بعد مضي أكثر من عام الآن على البدء في تطبيق هذه التدابير، ما هي العواقب طويلة المدى التي تتوقعها، ربما في طريقة تواصلنا الاجتماعي؟

ستكون هناك بالتأكيد عواقب بعيدة المدى. وفي بعض الحالات، سيصبح الناس على دراية أكبر بوسائل التواصل الرقمية، وربما يلجأون إلى استخدام التكنولوجيا الرقمية في المواقف التي كانت قد تستدعي تفاعلهم المباشر بخلاف ذلك، ولكن ليس في معظم الحالات بكل تأكيد. وأعتقد أن الجائحة قد ذكرتنا بأننا كائنات اجتماعية، وهذا يتضمن قدرًا معينًا من التفاعل الجسدي الذي لا يمكن ببساطة محاكاته عبر الإنترنت. وهناك أدلة جديدة تشير إلى أن العواقب طويلة المدى قد تعكس تلك الموجودة في مناطق الكوارث الطبيعية، مثل اضطرابات ما بعد الصدمات. ويبقى الأطفال عرضة للخطر بشكل خاص بسبب إغلاق المدارس، مع الإبلاغ عن ارتفاع معدلات العنف المنزلي في جميع أنحاء العالم؛ وهو ما يشير إلى أن التبعات السلبية طويلة المدى لجائحة كوفيد-19 يمكن أن يكون لها آثار اجتماعية بعيدة المدى.

2. ما هي الأدوات والمنصات والأبحاث الرقمية التي أثبتت فعاليتها في مكافحة انتشار المعلومات المضللة عبر الإنترنت؟ وما هي التطبيقات التي يمكن أن تترتب عليها في المستقبل؟

لا يوجد حل سحري لمكافحة المعلومات الزائفة والمضللة. وقد شاركت عدة جهات فاعلة في جهود مكافحة الروايات المضللة، بما في ذلك مدققي الحقائق والباحثين والمتخصصين الطبيين، والمنصات الإخبارية المرموقة. وأصبح الصحفيون والمحللون أكثر دهاءً في تحديد مصادر المعلومات الزائفة، وقد خُصصت المزيد من الموارد لتوثيق المعلومات المضللة ومراقبتها، وإن كانت هذه الموارد ليست كافية. وتؤدي الجامعات والباحثون أيضًا دورًا رئيسيًا في القيام بالعمل اللازم لمكافحة المعلومات المضللة من خلال تشجيع التفكير النقدي أو إيجاد حلول لمكافحة هذه المعلومات. وبطرق معينة، أدى التحول إلى شبكة الإنترنت نتيجة لانتشار الجائحة، وتحول معظم الندوات الأكاديمية الآن إلى ندوات عامة ومتاحة للجميع، إلى تعزيز إمكانية المشاركة في المناقشات الأكاديمية حول قضايا متعددة. ومن الناحية النظرية، كان هذا "التوجه الأفقي" للأوساط الأكاديمية نعمة لمن يرغبون في الحصول على معلومات من المتخصصين المدربين.

3. إلى أي مدى تعتقد أن الأخبار الكاذبة والمعلومات المضللة حول فيروس كورونا قد أثارت تعقيدات متعلقة بالصحة العامة؟

ليس ثمة شك في أن المعلومات المضللة قد تسببت في حدوث عدد من المشاكل من منظور الصحة العامة. فقد أدت المؤامرات المتعلقة بكون الجائحة مزيفة ("ومخطط لها") إلى تزايد الشعور بانعدام الثقة في العلوم الطبية وخدمات الرعاية الصحية وزيادة احتمالية امتناع البعض عن التطعيم وممانعتهم لتنفيذ إجراءات التباعد الاجتماعي. وسوف تساهم كل هذه الأمور في تأخير فعالية الاستجابة عبر زيادة انتشار المرض وعرقلة إمكانية الشفاء منه. ومن الصعب تحديد مدى تأثير المعلومات المضللة على فيروس كوفيد-19، لكننا نعلم أن هناك أشخاص ماتوا في حالات الإصابة الشديدة نتيجة لاتباع وسائل علاجية زائفة أو تجاهل النصائح الطبية. ونسبة الأشخاص غير الراغبين في أخذ اللقاح مرتفعة جدًا بالفعل، وتتفاوت هذه النسبة من بلد إلى آخر، فقد ذكر 40% من الأشخاص في فرنسا، على سبيل المثال، أنهم لن يكونوا مستعدين لتلقي اللقاح. ولم يتضح بعد ما إذا كان ذلك قد حدث نتيجة للمعلومات المضللة، لكن هذا الأمر يزيد بالتأكيد من حدة المشكلة.

4. هل يمكنك التعليق على التغطية الإخبارية العالمية المتعلقة بتوزيع اللقاحات ومخاطرها، وما إذا كانت هذه التغطية قد أثرت على ثقة الجمهور؟

كانت هناك مشاكل مختلفة واجهت مناطق مختلفة، بدايةً من المشاكل التي واجهها الاتحاد الأوروبي في محاولة شراء لقاحات من أسترازينيكا وصولاً إلى معدلات التفاوت في سرعة تلقي التطعيمات في بعض البلدان. وكان الاتجاه السائد هو تلقي الشخصيات العامة للقاح على الملأ لتعزيز الثقة في فعاليته، وهو أمر شاهدناه يُبث في العديد من البلدان. وبشكل عام، تميل معظم التغطيات الرسمية إلى التأكيد على فعالية اللقاح، وغالبًا ما تظهر نظريات المؤامرة على شبكة الإنترنت أو في القنوات الإخبارية الهامشية. وفي الغالب، ركزت التغطية المهمة على المشاكل اللوجستية التي تواجه جهود الحصول على اللقاح هناك.

5. ما الذي أوحت به الجائحة حول ما يتعين علينا القيام به لحماية النساء والشباب في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من البيئة المعادية على وسائل التواصل الاجتماعي، التي تشبه "الجائحة الصامتة"؟ 

صُنفت تأثيرات جائحة كوفيد-19 على أساس الجنس في جميع أنحاء المنطقة، وهو ما أدى إلى إطالة أمد النزاعات من خلال إعادة توجيه تركيز صانعي السياسات على القضايا الصحية بدلاً من تركيزهم على قضايا المشردين داخليًا واللاجئين. كما ستؤثر الجائحة بشكل غير متناسب على إمكانية وصول الشابات إلى التعليم، فعلى سبيل المثال، قد تضطر الأسر التي تعيش أوضاعًا صعبة بالفعل وتعاني من الآثار المضاعفة للجائحة إلى اختيار الشخص الذي ترسله إلى المدرسة. وغالبًا ما تكون القطاعات التي توظف النساء هي الأكثر تضررًا مثل قطاعات الترفيه والتجزئة. وقد تفاقم هذا الوضع بسبب ارتفاع معدلات العنف المنزلي. وهناك مشكلة مرتبطة بهذا الأمر وهي تسهيل التكنولوجيا لإمكانيات التحكم القسري، حيث تسهل وسائل التواصل الاجتماعي أو تكنولوجيا الهاتف المحمول من إمكانيات وقوع حوادث العنف المنزلي عبر تعزيز عمليات الرصد والمراقبة عن طريق الأزواج السيئين. وتتمثل الطريقة الوحيدة لحماية هذه المجموعات بشكل أساسي في معالجة المعايير السلطوية التي تحدث تفاوتات أو اختلالات في كيفية توزيع الموارد على أساس الجنس.

6. كتبت في شهر مارس من العام الماضي: "بينما ينتشر فيروس كورونا على أرض الواقع، فإن توظيفه لتفعيل التحيزات السياسية والدينية والثقافية الكامنة يحدث في الهوامش وعبر وسائل التواصل الاجتماعي الرئيسية". هل تعتقد أن الإجراءات المقيدة تمثل استجابة مناسبة وكيف نحمي حرية التعبير؟

أنا من أنصار حرية التعبير، لكنني لست من دعاة الكراهية أو التحيز غير المبرر. ودائمًا ما تحمل حرية التعبير معها شعورًا بالمسؤولية، ولا ينبغي أن تقدم ترخيصًا بالمشاركة في حملات التشويه المنظم لسمعة الأشخاص على أساس الدين أو الجنس أو العرق وما إلى ذلك، رغم أن هذه الأفعال مشروعة بالفعل في العديد من الولايات القضائية. وتتمثل طريقة الحماية من أي اعتداء على حرية التعبير في التأكد من أن أي اعتداء لا يكون مبررًا إلا عندما يحمل بوضوح ملامح خطابات الكراهية أو ما شابه ذلك. وبالمثل، ارتفعت معدلات ظهور هذا النوع من الخطابات التحريضية بفعل المعلومات المضللة حول فيروس كوفيد-19، لذا فإن إيقاف هذه المعلومات سيقلل من احتمالية إلقاء اللوم على الأشخاص وفقًا لتحيزاتهم الخاصة.

7. ما الدروس التي تعلمتها البشرية من عملية الإغلاق؟

يتعين علينا أن ننتظر لنرى ما إذا كانت البشرية قد استوعبت الدروس حقًا. وأعتقد أن الكثيرين منا قد استوعبوا أننا ما زلنا كائنات اجتماعية تتوق للتواصل والتفاعل على الرغم من التحول الرقمي. لقد تعلمنا تقدير قيمة حرياتنا، حتى لو كانت في شكل حرية مغادرة منازلنا. وتذكرنا هذه الجائحة أيضًا بضرورة عدم التعامل مع حياتنا على سطح هذا الكوكب باعتبارها أمرًا مفروغًا منه، ومعرفة مقدار الامتيازات التي نتمتع بها عندما نتمكن من السفر أو ركوب الطائرة (حتى بالنسبة للأثرياء القادرين على القيام بهذه الأشياء). وأعتقد في الأساس أن الجائحة قد أمدتنا برؤية حول هشاشة الظروف البشرية، وكيف نحتاج جميعًا إلى بعضنا البعض، وأنه لا ينبغي لنا أن نتعامل مع وجودنا على سطح هذا الكوكب باعتباره أمرًا مسلمًا به.