ما الذي يمكن فعله لحل مشكلة الديون الشخصية في الدول العربية؟

تزايد معدلات الديون الشخصية في دول الخليج العربي: ما هي الحلول الممكنة؟

13 أغسطس 2024

بقلم/ الدكتور عبد العظيم أبو زيد

د. عبد العظيم أبو زيد
د. عبد العظيم أبو زيد

على الرغم من أن الاقتراض مكروه في الإسلام، ويُعد محرمًا قطعًا إذا كان مصحوبًا بالفائدة "ربا"، إلا أن منطقة الخليج العربي تشهد معدلات غير مسبوقة في الديون الأسرية، فوفقًا لمقالٍ نشره مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة في أبوظبي عام 2023، بلغت القيمة الإجمالية للقروض الشخصية الممنوحة للأفراد من البنوك التجارية 303.2 مليار دولار، حيث تأتي السعودية في المقدمة بنسبة 30%، تليها الإمارات بنسبة 29.3%، ثم الكويت بنسبة 17.2%، وقطر بنسبة 11.5%، وعُمان بنسبة 8.5%، وأخيراً البحرين بنسبة 3.6%.

وتُعزى الزيادة في الديون الأسرية في المنطقة إلى عدة عوامل، أولها ثقافة الاستهلاك المفرط السائدة التي تشجع الأفراد والمجتمعات على الإنفاق بما يتجاوز احتياجاتهم، وكذلك ميْل تجار التجزئة والبنوك إلى دفع الناس نحو تحمّل ديون غير ضرورية من خلال حملات تسويقية مكثفة تحث المستهلكين على شراء المنازل والسيارات الجديدة ومختلف أنواع الأدوات المنزلية. كما يلجأ المستهلكون أيضًا إلى استخدام العديد من بطاقات الائتمان التي تقدم مزايا مختلفة إلى جانب المرونة في السداد، مما يؤدي في كثير من الأحيان إلى تراكم الديون التي يعجز البعض عن سدادها.

كما إن انتشار البنوك الإسلامية فتح الباب أمام الأفراد الذين لا يقترضون عادةً من البنوك التقليدية، لأنهم يميلون إلى الاعتقاد بأن الاقتراض من البنوك الإسلامية يتماشى مع معتقداتهم الإسلامية ويتلافى أي تحفظات شرعية تجاه الاقتراض من حيث المبدأ، إلا أنّ البنوك الإسلامية تظل مؤسساتٍ تجارية أُنشئت لتحقيق أرباح مالية للمستثمرين والمودعين. وعلى الرغم من أن هذه البنوك تستخدم أنماط تمويل مختلفة من الناحية الهيكلية، إلا أنها تسهم في نهاية المطاف في زيادة الديون الأسرية.

ولا يخفى على أحد أنّ معرفة العامة بالمبادئ الاقتصادية الشرعية محدودة، حيث يجهل الكثيرون أن الاقتراض غير مستحب في الإسلام، ولا يُدرك معظم الناس أن المعاملات المالية، على الرغم من احتمال صحتها من منظور الشريعة، تظل مكروهة إذا لم تتوافق مع مقاصد الشريعة وقيمها العامة.

موقف الإسلام من الاقتراض

يُكره الاقتراض في الإسلام عن غير ما حاجة معتبرة ولا يُحرم، إلا إن تضمن الربا (الزيادة على الدين) فإنه يحرم حينئذ، وهذا التحريم يشمل الدائن والمدين على السواء. وفي حال الاضطرار إلى الاقتراض، فإن الإسلام يرفع الإثم عن المقترض، فيجوز للفرد أن يقترض مع فائدة بالقدر الذي يُلبّي هذه الضرورة، وتشير الضرورة في هذا السياق إلى تأمين الأساسيات التي لا غنى عنها من مأوى وطعام ودواء، ما دام الاقتراض بفائدة هو السبيل الوحيد لتحقيق ذلك.

ومن هذا المنطلق، فإن مفهوم الاقتراض برمته لا يتوافق مع النظرية الاقتصادية الإسلامية، وينبع هذا الموقف من حرص الشريعة الإسلامية على الحفاظ على ثروات الأفراد والمجتمعات؛ فكما أن الإفراط في الإنفاق يعرّض ثروة الفرد للتبديد، فإن استخدام ثروة الآخرين له نفس الأثر، ولذلك فإن التعثر في سداد الديون يُعدّ مسألة بالغة الخطورة في الإسلام.

فعن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "مَن أخذَ أموالَ الناس يُريد أداءَها أدّى الله عنه، ومن أخذَ يُريد إتلافَها أتْلفهُ الله" (رواه البخاري)، وقد رُوي أن النبي -صلى الله عليه والسلام- امتنع عن إمامة صلاة الجنازة على شخصٍ توفي قبل قضاء دَيْنٍ له، ولكن عندما تعهّد أحد أصحابه بسداد هذا الدَّيْن، وافق النبي على إمامة الصلاة. وقد قصد النبيُ من هذا الموقف أن يبيّن أنه لا ينبغي لأيِّ فردٍ أن يتحمّل ديونًا قبل التأكد من قدرته على سدادها واتخاذ الاحتياطات اللازمة لذلك.

علاج المشكلة

بما أن شيوع ثقافة الاستهلاك يجعل أي جهودٍ مبذولة للتشجيع على الحد من عادات الاستهلاك والاقتراض والإنفاق غير مجدية، فإن ذلك يحتّم على الحكومات أن تتدخل وتُدير القطاع المالي بشكل أكثر صرامة. ويمكن أن يتجسّد ذلك في اتخاذ إجراءات حازمة مثل تحديد نسبة ثابتة للديون التي يُسمح للفرد بتحمّلها مقارنة بصافي دخله، وكذلك إدراج جميع أنواع بطاقات الائتمان في نفس النسبة.

ويبقى السؤال ما إذا كانت الحكومات مستعدة وقادرة على القيام بذلك، ويبدو أنّ الإجابة تتعلق بمدى استقلالية الجهات التنظيمية عن القطاع المالي وما إذا كانت ترى في زيادة الديون الأسرية هذا الخطر الذي ننبّه إليه.

ومما لا شك فيه أنّ الناس سيستمرون في الاقتراض طالما وجدوا من يقرضهم، وستستمر البنوك، ما لم يتم تنظيمها بشكل مناسب، في إقراض الناس باستخدام أموال المودعين. وهذا يستدعي تدخلًا فوريًا من السلطات المالية والجهات التنظيمية لمعالجة الزيادة غير المسبوقة في الديون الشخصية. وينبغي أن يترافق ذلك مع التزامٍ طويل الأجل برفع مستوى الوعي العام من خلال تقديم التعليم الإسلامي المناسب في المدارس والمساجد.

**الدكتور عبد العظيم أبو زيد أستاذ في التمويل الإسلامي في كلية الدراسات الإسلامية بجامعة حمد بن خليفة.

**جميع الأفكار والآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن كاتبه، ولا تعكس بالضرورة موقف الجامعة الرسمي.