تأليف: الدكتور عبد الفتاح سعيد محمد - عفاف ضيف الله
لا يمكن إنكار تزايد الحاجة إلى المساعدات الإنسانية لمواجهة الكوارث الطبيعية وتلك التي يتسبب فيها الإنسان. واستجابة لذلك، تستمر المؤسسات الخيرية المختلفة التي تستند لمبادئ ثقافية ودينية ومعايير تشغيلية معينة في تقديم المساعدات وجهود الإغاثة حيثما تشتد الحاجة إليها. وفي العقود الأخيرة، نمت المساهمات الإسلامية في الجهود الإنسانية العالمية بسرعة، والتي كانت تهيمن عليها الجهات الفاعلة الغربية في السابق، لدرجة أن المؤسسات غير الحكومية الإسلامية تتبوأ اليوم دورًا مميزًا ومحوريًا ضمن إطار العمل الإنساني على مستوى العالم، حيث تعمل بشكل متزايد كشركاء رئيسيين في مبادرات الإغاثة الدولية وجهود الإغاثة.
وتنشط حاليًا شبكة متنوعة وعالمية من المؤسسات غير الحكومية الإسلامية في مجموعة من القطاعات الإنسانية، ومنها الرعاية الصحية والتعليم والتنمية. وقد حظيت العديد من هذه المؤسسات باهتمام كبير في السنوات الأخيرة بفضل جهودها الناجحة في جمع التبرعات من الأفراد والمؤسسات الخيرية الإسلامية، فضلًا عن قدرتها في الاستجابة المباشرة والسريعة للأزمات التي تؤثر على العالم الإسلامي. وأدى ذلك إلى تعزيز مكانة بعض المؤسسات غير الحكومية الإسلامية على الساحة الدولية، خاصة في ظل تحديات التمويل التي تواجه المؤسسات الإنسانية الغربية.
لاشك أن المؤسسات غير الحكومية الإسلامية، بصفتها مؤسسات دينية، تستمد الإلهام والتوجيه من تعاليم الدين الإسلامي، وغالبًا ما تدمج المبادئ الشرعية في رسالتها وعملياتها وخدماتها. ومن الركائز المحورية في رسالة هذه المؤسسات التأكيد على مفهوم الحياة في الدار الآخرة، والذي يؤثر بعمق في عملياتها، فضلًا عن أن القِيم الإنسانية للمسلمين تركز أيضًا على روح البذل والعطاء المدفوعة برغبة في دخول الجنة في الآخرة.
ويتبرع المسلمون بجزء من أموالهم للمحتاجين بدافع من الإيمان بتراكم الأعمال الصالحة والتقرب إلى الله والتطلع إلى الثواب بدخول الجنة، حيث ينقسم الانخراط في الأعمال الخيرية إلى مجالين: عبادة الله التي تتعلق بتعظيم أوامر الله، وأعمال البر التي تنطوي على إظهار الرحمة تجاه خلق الله. وكلاهما يحثان على الإحسان إلى من هم أقل حظًا من غيرهم، وعلى التلطّف في الخطاب مع الآخرين. ويقول الله تعالى: "وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ" (آية 195 - سورة البقرة). وهذا يلخص جوهر العمل الخيري الإسلامي، ويسلط الضوء على نهج شامل يتجاوز مجرد ممارسة الشعائر ليشمل طيفًا واسعًا من أعمال الخير، كما يؤكد على الصلة الجوهرية بين الإيمان والسلوك الأخلاقي ورفاهية المجتمع بشكل أشمل.
وفي هذا الصدد، تعمل المؤسسات غير الحكومية الإسلامية على دمج المبادئ الإسلامية مع أهدافها التشغيلية، ويتضمن هذا النهج الشامل قِيمًا مثالية مثل الرحمة، والبر، والعدل، والأمانة والصدق، ووجوب مساعدة المحتاجين، حيث تؤدي هذه القِيم دورًا حاسمًا في تشكيل الجهود الإنسانية وحماية حقوق جميع المستهدفين وضمان العدالة والإنصاف لهم.
كما أن جمع التبرعات في المؤسسات غير الحكومية الإسلامية هو أسلوب متجذر أيضًا في المبادئ المالية والاجتماعية الإسلامية ومستمد في المقام الأول من المتبرعين المسلمين الذين يؤمنون بأن البذل والعطاء لا يقتصر على المجال الزمني بل ينطوي على وعي بالحياة الآخرة والاستعداد لها، حيث يشمل مفهوم العطاء الإسلامي كلاً من الإنفاق التطوعي والإنفاق الواجب. ويشمل الإنفاق التطوعي الصدقات والوقف وأي أعمال إنسانية أخرى برجاء الثواب الإلهي، أما الإنفاق الواجب (الفرض) فيتمثل في الزكاة، وهي شكل من أشكال الصدقة التي تُؤدَّى كفرض ديني وفي نفس الوقت كتزكية وتطهير للنفس والمال.
وهذه التفرقة بين أنواع الصدقة والزكاة تُسلط الضوء على التزام عميق بدورة متوالية من السخاء والبذل والعطاء، تؤكده الوعود الإلهية بالثواب الجزيل لمن يعطي الزكاة، مقابل العواقب الوخيمة لمن يتهاون في أداء هذا الفرض. وتعد الزكاة مصدرًا رئيسيًا للأموال، حيث يتم تنظيمها بشكل حازم لضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها، فضلًا عن دعم المشاريع الخيرية في الأمة الإسلامية وتنميتها وفقًا لمبادئ الشريعة الإسلامية. وتُكمل الصدقة هذه الجهود، مما يسمح بدعم أوسع للمبادرات التنموية. ويكتمل كلاهما بنموذج الوقف، الذي يُدر دخلًا مستمرًا من الأصول مثل تأجير العقارات أو أرباحًا من المشاريع التجارية.
وتوفر الزكاة والصدقة والوقف قاعدة مالية مستقرة للأنشطة الخيرية، مما يضمن توفر الأموال للمبادرات طويلة الأجل بدلًا من الاعتماد على التبرعات أو المنح لمرة واحدة. وهذه المنظومة من التبرعات تسلط الضوء على النهج الفريد للمؤسسات غير الحكومية الإسلامية في إدارة الموارد وتقديم المساعدات. كما أن التزام هذه المؤسسات بمبادئ الشريعة الإسلامية يضمن أن عملها ليس فعالًا فحسب، بل ومُرضيًا من الناحية الروحية لكل من المانحين والمستفيدين.
يتيح اليوم العالمي للعمل الإنساني فرصًا مثالية للتأكيد من جديد على أن المؤسسات غير الحكومية الإسلامية تؤدي دوراً فريدًا وشاملًا في القطاع الإنساني العالمي، لا سيما من خلال دمجها لمبادئ التمويل الإسلامي. وبفضل كفاءتها الملحوظة، أصبح التمويل الاجتماعي الإسلامي أيضًا جزءًا لا يتجزأ من الخطاب المتعلق بالجهود الإنسانية، وقد حظي هذا الأمر باعتراف جهات عالمية بارزة مثل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، التي أنشأت صندوق الزكاة للاجئين بعد مشاورات مستفيضة مع علماء الدين الاسلامي.
ولاشك أن فهم الأساليب المتميزة للمؤسسات غير الحكومية الإسلامية يعزز من استيعاب ممارساتها المتنوعة في العمل الإنساني وآثارها في تحقيق الرفاهية على مستوى العالم، ويثري التعاون والحوار بين مختلف أنواع المؤسسات غير الحكومية، مما يسهم في بذل جهود إنسانية أكثر فعالية وشمولية.
* الدكتور عبد الفتاح سعيد محمد، أستاذ مشارك في الإسلام والشؤون الدولية في كلية الدراسات الإسلامية بجامعة حمد بن خليفة.
* عفاف ضيف الله، أخصائية في المجال الإنساني في قطر الخيرية، ومتخصصة في مجال حماية الطفل، وحاصلة على شهادتي ماجستير في الإسلام والشؤون الدولية من جامعة حمد بن خليفة، وماجستير في اللسانيات والمعجمية العربية من معهد الدوحة للدراسات العليا.
* تنشر إدارة الاتصالات بجامعة حمد بن خليفة هذا المقال بالنيابة عن المؤلفين، والأفكار والآراء الواردة فيه تعبر عنهما ولا تعكس بالضرورة الموقف الرسمي للجامعة.