لا يزال معظم الأفارقة يعانون من شح في الطاقة رغم توفر مصادر الطاقة والموارد الطبيعية. ويرى الدكتور داميلولا أولاوي، الاستاذ والعميد المشارك للبحوث، وأستاذ كرسي اليونسكو للقانون البيئي والتنمية المستدامة بكلية القانون بجامعة حمد بن خليفة، أن الخلاص من هذا الوضع يحتم جمع رأس المال من القطاعين العام والخاص ومن المستثمرين المحليين والخارجيين
وكانت إحدى أهم القضايا الكبرى التي تمت مناقشتها في المؤتمر التاسع والعشرين للأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لتغيير المناخ (COP29) هي آلية الحصول على تمويل لتسريع عملية التحول في مجال الطاقة العادلة والشاملة والتي لا يغفل عن أهميتها أي شخص أو مجتمع. وفي خضم أزمة المناخ، شرعت العديد من الدول والشركات من جميع أنحاء العالم في إعداد برامج من شأنها إحداث تغييرات جذرية في مجال الطاقة والحد من انبعاثات الغازات الضارة المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري العالمي. ولاشك إن الشروع بتنفيذ هذه البرامج يثير التساؤلات حول طرق ضمان الحد من تفاقم مستوى شح الطاقة بالبلدان النامية نتيجة التحول والتغير الدائم في مجال الطاقة، وبالأخص في قارة أفريقيا، التي يعاني عدد كبير من ساكنيها من عدم توفر الطاقة.
ووفقًا للبنك الدولي، يفتقر أكثر من مليار شخص في العالم الوصول إلى مصادر الطاقة الحديثة، ويعيش 600 مليون شخص منهم في جنوب الصحراء الكبرى بأفريقيا. وبعبارة أخرى، سيعاني ما يقارب الستين في المائة (60%) من سكان أفريقيا شح في مجال الطاقة في عام 2024. ودعت مجموعة المفاوضين الأفارقة (AGN) المعنيين بتغير المناخ إلى تخصيص 1.3 تريليون دولار سنويًا لتمويل مشاريع التنمية المتعلقة بالمناخ في جميع أنحاء القارة الأفريقية، وبات من الجلي أن السعي إلى تغيير يعزز أمن الطاقة وأهداف المناخ في أفريقيا، يحتم الاستفادة من رأس المال من القطاعين العام والخاص، وسيشكل دعم المجتمع الدولي المالي المستدام عنصرًا فعالًا في تمويل التحول المناخي بالدول الأفريقية، ولذا، فإن مساهمات القطاع الخاص أمر حتمي لا غنى عنه.
ودون أدنى شك، فإن التحول لاستخدام الطاقة النظيفة أصبح ضرورة ملحة وفرصة عظيمة لأفريقيا، بل بات أمر لا بد منه في حال أرادت القارة والعالم بأسره تجنب التهديدات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية المعقدة المعنية بتغير المناخ عن طريق الحد من الاحتباس الحراري إلى 1.5 درجة مئوية (2.7 درجة فهرنهايت). كما سيتيح التحول الفرصة للدول الأفريقية للحصول على التمويل والاستفادة من المزايا النسبية لموردي الوقود الانتقالي المحبذ بيئيًا، مثل الغاز الطبيعي، ومعادن الطاقة الانتقالية، من الكوبالت والنحاس، خاصة مع تزايد الطلب عليهم من جميع أنحاء العالم، نظرًا لدورهم المهم في مشاريع الطاقة المتجددة والبنية التحتية الهيدروجينية.
وبفضل وفرة مصادر الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، باتت أفريقيا تمتلك الإمكانات اللازمة لتصبح الواحة العالمية الجديدة لمشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والهيدروجين الأخضر، مما سيضفي تنوعًا في مصادر الطاقة والاقتصاد على حد سواء. ولقد أحرزت ملاوي وكينيا ورواندا وتنزانيا وأوغندا بالفعل تقدمًا في تعزيز استخدام تقنيات المناخ "الناعمة"، فعلى سبيل المثال، استخدام الألواح الشمسية المصنعة محليًا، ومواقد الطهي الموفرة للوقود والشبكات اللامركزية الدقيقة والمصغرة لتعزيز وصول الطاقة للمناطق النائية. ويمثل التوجه نحو استخدام الطاقة النظيفة فرصة لرواد الأعمال المحليين في مجال الطاقة من جميع أنحاء أفريقيا لتطوير حلولًا مبتكرة لتوفير طاقة نظيفة ومعتمدة للمجتمعات التي تعاني من نقص في الخدمات.
وللاستفادة من هذه الفرصة، يتعين على الدول الأفريقية سن قوانين وسياسات تشجع مساهمة مستثمري القطاع الخاص في مشاريع الطاقة النظيفة. وسيكون من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، جذب التمويل الأخضر المستدام وتدفقات الاستثمار اللازمة لإحداث انتقال عادل للطاقة دون تقديم حلول للعقبات التنظيمية التي يواجهها رواد الأعمال في مجال الطاقة في أفريقيا. وقد أظهرت الدراسات السابقة بعض العقبات مثل عمليات تسجيل الأعمال وإضفاء الطابع الرسمي، والتي غالبًا ما تستغرق الكثير من الوقت، والأطر التنظيمية غير الواضحة أو القديمة فيما يتعلق بريادة الأعمال في مجال التكنولوجيا النظيفة، وضعف التشريعات القانونية فيما يخص الشراكات بين القطاعين العام والخاص والتحديات المتعلقة بدمج مصادر الطاقة المتجددة في الشبكات الوطنية، إضافة إلى القيود المفروضة على الوصول للتمويل.
ويتعين على السلطات الوطنية في جميع أنحاء القارة المباشرة بتحديث القوانين التجارية والاستثمارية الحالية، لتيسير وتبسيط متطلبات دخول سوق العمل والتمويل لرواد الأعمال في مجال الطاقة النظيفة على مستوى المشاريع الصغيرة والمتوسطة. علاوة على إجراء تعديل في التشريعات القانونية، فإن الدول الأفريقية تحتاج إلى توفير حوافز مالية لرواد الأعمال، والسماح لهم بابتكار حلول لمشكلات الطاقة الأفريقية. ويمكن تقديم هذه الحوافز على شكل منح مباشرة، أو قروض ميسرة أو قروض منخفضة الفائدة، أو ائتمانات ضريبية للاستثمار أو ضرائب مردودة، أو حتى على شكل معاملات تقليل المخاطر بما في ذلك التأمين، بهدف دعم الاستثمار الرأسمالي اللازم لتطوير مبادرات التكنولوجيا النظيفة. ومن الأمثلة الجديرة بالذكر، صندوق الابتكار التابع للاتحاد الأوروبي، والذي يوفر حوافز مالية ويدعم استخدام تقنيات الكربون المنخفض ومشاريع البنية الأساسية.
كما أن لمؤسسات التعليم العالي دور حاسم في تصميم مبادرات متخصصة لبناء القدرات يتم التركيز فيها على ريادة الأعمال في مجال الطاقة النظيفة والتمويل الأخضر. ولا يمكن الاستغناء عن البرامج التعليمية التي تركز على تطوير الأعمال التجارية المستدامة، والاستفادة من التمويل المشترك والإسلامي لمشاريع البنية التحتية للتكنولوجيا النظيفة، ونشر تقنيات الهيدروجين، واحتجاز الكربون وتخزينه في محاولة لتعزيز التحول العادل والمنظم للطاقة.
يبادر كرسي اليونسكو في القانون البيئي والتنمية المستدامة بجامعة حمد بن خليفة بمعالجة هذه الأولويات التعليمية مع التركيز الاستراتيجي على قارة أفريقيا. ويحافظ الكرسي على موقع متميز يؤهله للبقاء في طليعة المؤسسات التي تسعى لتعزيز المعرفة والموارد والقدرات في مجال التمويل الأخضر وريادة الأعمال البيئية اللازمة لإطلاق الإمكانات الهائلة لمجالات الطاقة الخضراء في أفريقيا مع مكافحة حالة الطوارئ المناخية، عبر إصدار المنشورات المشتركة، وعقد المؤتمرات وورش العمل والتدريب، وتصميم برامج التوعية العامة مع مؤسسات التعليم العالي والشركاء في جميع أنحاء قارة أفريقيا.
*كتب هذا المقال: الدكتور داميلولا أولاوي، الاستاذ والعميد المشارك للبحوث، وأستاذ كرسي اليونسكو للقانون البيئي والتنمية المستدامة بكلية القانون بجامعة حمد بن خليفة.
* تنشر إدارة الاتصال بجامعة حمد بن خليفة هذا المقال بالنيابة عن مؤلفها، والأفكار والآراء الواردة فيه تعبر عن الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف الرسمي للجامعة.