التكنولوجيا والجريمة: صراع دائم ومستمر

*الدكتور روبرتو دي بيترو

الهيئة:  كلية العلوم والهندسة
التكنولوجيا والجريمة: صراع دائم ومستمر

هل التكنولوجيا شيء جيد أم سيء؟ يعتمد الأمر على هوية من تطرح عليه هذه السؤال، لأن الإجابة تتعلق بشكل أكبر بطريقة استخدام التكنولوجيا. وعلى كلٍ، يمكن للمجرمين استخدام التكنولوجيا، وفي الوقت نفسه يمكن استخدامها أيضًا للقبض على المجرمين، وهو ما يُحدث صراعًا مستمرًا ومثيرًا.

طرق لا حصر لها يمكن توظيف التكنولوجيا من خلالها لأغراض الشر

هناك طرق لا حصر لها يمكن استخدام التكنولوجيا من خلالها لتحقيق أغراض شريرة، حيث استُخدم الرمح لأول مرة في الصيد والدفاع عن النفس وصد هجمات الوحوش. ومع ذلك، سرعان ما استخدمه البشر كذلك في محاربة بعضهم البعض؛ وتُستخدم الطاقة النووية لإنتاج الطاقة، لكنها استُخدمت أيضًا لإبادة مدن بأكملها. وعند النظر إلى الأخبار المتداولة في الوقت الحالي، فإننا ندرك أن العملات المشفرة يمكن أن تُستخدم، ولا تزال تُستخدم باعتبارها النمط المفضل لمدفوعات برامج الفدية لأنها توفر طريقة دفع مجهولة المصدر وموثوقة وسريعة لمجرمي الإنترنت.

وبالمثل، توفر الهواتف المؤمَّنة للجماعات الإجرامية طريقة سريعة وسهلة لتنسيق أنشطتها المارقة، والقائمة تطول. وبشكل جوهري، يمكن استخدام جميع التطورات التكنولوجية في الخير أو الشر. وفي الواقع، لا تُعدُ التكنولوجيا سيئة أو جيدة بطبيعتها، ذلك أن طريقة استخدامها هي التي تحدث الفارق. وعلى كلٍ، أدت الرماح عملاً جيدًا في منع انقراض البشرية، وتُستخدم الطاقة النووية لتوليد الطاقة، وتبشر العملات المشفرة بإضفاء الطابع الديمقراطي على التمويل، والهواتف المحمولة هي الأجهزة المفضلة لمليارات الأشخاص يوميًا، وربما تقرأ هذا المقال أيضًا على هاتفك المحمول في هذه الأثناء.

ومع ذلك، فإن الجديد فيما يتعلق بالماضي القريب والبعيد هو أن التكنولوجيا باتت في الوقت الحاضر أكثر انتشارًا وتشعبًا، وأصبح من السهل التلاعب بها بشكل أكبر مما كانت عليه قبل حين. وفي الواقع، فإننا لسنا جميعًا خبراء في المواد النووية، كما لا نمتلك الرغبة أو القدرة على رمي الرمح بشكل فعال على شخص آخر. لكن كل فرد منا محاط بالتكنولوجيا ويستخدمها بالفعل، مع قدرة جزء كبير من المستخدمين أيضًا على تعديل تلك التكنولوجيا لخدمة أغراضهم بشكل أفضل، مثل علماء الحاسوب والمبرمجون والأطفال القادرون على استخدام برامج الترميز، وهو ما يضفي الطابع الديمقراطي على التكنولوجيا.

ولا يتكون هذا العدد الضخم من الأشخاص القادرين على استخدام التكنولوجيا بطريقة مختلفة عما صُممت من أجله، من قراصنة أخلاقيين فحسب، حيث يمكن أن تضم القائمة كذلك خبراء التكنولوجيا الذين يدعمون الاستخدامات الشريرة لمثل هذه التكنولوجيا، ممن نطلق عليهم وصف "أصحاب القبعات السوداء". وباستخدام المصطلحات الفنية المتخصصة، توسع تأثير الهجوم ومحيط الأمان بشكل كبير، مما أدى إلى ظهور سيناريو يمكن فيه استغلال التكنولوجيا بسهولة لتحقيق أغراض شريرة من قبل مجموعات كبيرة من الأشخاص الذين يمكنهم مهاجمة بعض الأصول المتعددة المعرضة للخطر في الوقت الحاضر، ويوفر مجال الأمن السيبراني أفضل مثال للسيناريو المحدد.

الابتكار سريع الخطى والتهديدات غير المسبوقة

علاوة على ذلك، لن تتوقف التطورات التكنولوجية. فعلى النقيض من ذلك، نحن نشهد تطور الابتكار التكنولوجي بوتيرة سريعة وبشكل كبير، حيث تفضي هذه التطورات إلى تقليل دورات الابتكارات التكنولوجية التي تمهد الطريق كذلك لحدوث تهديدات جديدة وغير مسبوقة، مع تحسين أسلوب حياتنا. فعلى سبيل المثال، سيؤدي ظهور أجهزة الحاسوب الكمية إلى جعل غالبية أساليب التشفير والتوقيع الرقمي الحالية عديمة الفائدة، كما سيكون ما تم تشفيره والتوقيع عليه في الماضي مكشوفًا وعرضةً للخطر.

إن الصراع بين الاستخدامات المشروعة وغير المشروعة للتكنولوجيا آخذ في الاحتدام. فعلى سبيل المثال، هناك مناقشات دائرة في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي حول الحاجة إلى وجود موفر لخدمات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لمنح مفاتيح فك التشفير لتطبيقات آمنة جديدة في المستقبل لوكالات إنفاذ القانون إذا اقتضت الحاجة، وهو إجراء مثير للجدل.

ومع ذلك، فإن التكنولوجيا هي السلاح ذاته الذي نحتاجه لمحاربة الجريمة. فعلى سبيل المثال، تُستخدم تقنية تيراهيرتز لاكتشاف تهريب المخدرات والمتفجرات، وهي نفس التكنولوجيا التي تستخدمها دولة قطر بنجاح، أو اختراق موظفي تنفيذ القانون لحلقات جرائم الهاتف المحمول عبر القرصنة الأخلاقية ذات التقنية العالية، كما حدث في عملية شركة إنكروتشات. وحتى إذا أظهرت الجريمة قدرتها على التسلل إلى أي قطاع من قطاعات المجتمع، مثل قطاع الرياضة، حيث يمكن غسل الأموال عبر الشبكات الرقمية والتلاعب بالمباريات وتنسيق نتائجها عبر المحادثات، يمكن أن تساعد التكنولوجيا في اكتشاف الحالات الشاذة لتحويل الأموال، ويمكن لعلوم البيانات اكتشاف الحالات الشاذة في المباريات، وبالتالي إحباط مثل هذه الجرائم. وقد طرح هذا الموضوع للنقاش خلال فعالية عُقدت مؤخرًا برعاية منظمة الأمم المتحدة، وشارك فيها المركز الدولي للأمن الرياضي في قطر وكلية العلوم والهندسة بجامعة حمد بن خليفة. وفي النهاية، تُستخدم نفس التكنولوجيا التي يستخدمها المجرمون أيضًا لمحاربة الجريمة ذاتها.

لا تتخلف عن الركب

وفي صراع الأمن السيبراني المذكور أعلاه، يكون الخاسر هو الطرف الذي لا يقوم بتحديث أدواته ولا يخطط ولا يتطور. وعلى وجه الخصوص، يمكن للأمن السيبراني مساعدة دولة مثل قطر على بعدين استراتيجيين هما منع الاستخدام الإجرامي للتكنولوجيا بشكل أفضل واكتشافه والرد عليه، بالإضافة إلى التقدم بقوة نحو التحول إلى الاقتصاد القائم على المعرفة، وتعزيز وجود الدولة في قطاع الخدمات والمنتجات ذات القيمة المضافة والفائقة لمكافحة الجريمة.

وفي هذا السياق، يكون الرهان الآمن هو الاستثمار في التعليم لكل من الحكومات والمواطنين العاديين. فمن ناحية، سيكون بمقدور القوى العاملة المتعلمة وحدها وضع تصور للأدوات والأطر المتقدمة للأمن السيبراني وتصميمها وتنفيذها، بالإضافة إلى وضع إطار استراتيجي لمكافحة الجريمة. وعلى الجانب الآخر، ستكون نفس القوى العاملة المتعلمة تعليمًا جيدًا قادرة على تحفيز الابتكار وتأسيس شركات ناشئة وطرح منتجات جديدة فائقة الجودة وتنويع الاقتصاد.

وفي هذا السياق، تتمتع دولة قطر بالسبق في هذا المجال بفضل استثماراتها الضخمة في التعليم على مدار العشرين عامًا الماضية، لا سيَّما في جامعة حمد بن خليفة، عضو مؤسسة قطر، حيث نقوم بتطوير مهارات الأجيال المقبلة وتعليمهم.

وتشارك كلية العلوم والهندسة في تخصصات بحثية ذات أهمية وطنية وعالمية وتقودها. وتلتزم أقسام التخصص بالكلية التزامًا راسخًا بالتميز في تعليم الخريجين وتدريب الطلاب المؤهلين تأهيلاً عاليًا ممن يتمتعون بالقدرة على ريادة الأعمال. فعلى سبيل المثال، يتطرق برنامج ماجستير العلوم في الأمن السيبراني الذي تقدمه كلية العلوم والهندسة إلى أسس العملات المشفرة، في حين يؤهل برنامج الدكتوراه في علوم الحاسوب وهندسته الذي يقدم العديد من التخصصات، بما في ذلك الأمن السيبراني، صناع القرار والباحثين ورواد الأعمال رفيعي المستوى في المستقبل في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وهم القادة الذين سيقودون رقمنة الاقتصاد والمعركة التقنية ضد الجريمة.

* يشغل الدكتور روبرتو دي بيترو منصب أستاذ متفرغ في مجال الأمن السيبراني بكلية العلوم والهندسة في جامعة حمد بن خليفة.

ملاحظة:

هذا المقال مقدَّم من إدارة الاتصال بجامعة حمد بن خليفة نيابةً عن الكاتب. والآراء الواردة في هذا المقال تعكس وجهة نظر الكاتب، ولا تعكس بالضرورة الموقف الرسمي للجامعة.