سُبل لمناقشة أدوات الصحة النفسية الرقمية | جامعة حمد بن خليفة

بقلم الدكتور علاء عبدالرزاق، والدكتور عرفان أحمد، والدكتور موفق حوسة

الهيئة:  كلية العلوم والهندسة
سُبل لمناقشة أدوات الصحة النفسية الرقمية

أعضاء بهيئة تدريس جامعة حمد بن خليفة يُفيدون أن الوصمة وعدم الإتاحة ستحفز على استخدام تطبيقات وتقنيات الصحة النفسية

تبوأت مناصرة الصحة النفسية خلال السنوات الأخيرة مكانة مركزية، مع تشديد مستجد سمح باستخدام تدخلات علاجية وأدوات وتقنيات جديدة. وساهم استمرار انتشار الموجة الرقمية في توفر تلك الأدوات من أجل التصدي للمشاكل ذات الصلة بالصحة النفسية، وكان تفشي فيروس كوفيد-19 مثالاً ساطعاً على ذلك.

ما هي الصحة النفسية الرقمية؟

الصحة النفسية الرقمية هي استخدام تقنيات على غرار الحواسيب، والهواتف الجوالة، وكل ما يُمكن ارتداؤه أو الأدوات المتصلة بالإنترنت، لتوفير خدمات الصحة النفسية، التي تتضمن التقييم، والتشخيص، والعلاج، والترويج، والاستشارة. وتتخذ أدوات الصحة النفسية أشكالاً متعددة لكنها، على اختلافها، تضمن سهولة الوصول إلى خدمات الصحة النفسية في حالات تكون فيها الإتاحة نادرة.

الحاجة إلى أدوات الصحة النفسية الرقمية

تُعتبر الاضطرابات النفسية شائعة حول العالم. على النطاق العالمي، يُقدر أن نحو 25% من البالغين و10% من الأطفال سيكونون عرضة لمشاكل الصحة النفسية كل عام. وفي هذا السياق، تُعد نسبة شيوع اضطرابات الصحة النفسية لدى الأطفال تحت سن التاسعة عشرة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الأعلى في العالم (أكثر من 12%).

بالرغم من ازدياد الطلب على خدمات الصحة النفسية، يُمثل نقص العاملين في مجال الصحة النفسية مشكلة عويصة. وعلى سبيل المثال، يوجد 90 طبيباً نفسياً لكل 100,000,000 نسمة في الدول ذات الدخل المرتفع، بالمقارنة مع 0.1 طبيب نفسي لكل 1000,000 في الدول ذات الدخل المنخفض أو المتوسط. واستناداً لمنظمة الصحة العالمية، لا تُتاح خدمات الصحة النفسية لزهاء 55% و85% من السكان في الدول المتطورة والنامية على التوالي. بالإضافة لذلك، تعاني الصحة النفسية في مناطق كثيرة حول العالم من وصمات متنوعة، حيث لا ترغب الغالبية العظمى من المرضى بالتحدث إلى الأخصائيين. وفي هذا السياق، فإن إمكانية الوصول إلى الدعم الرقمي من شأنه أن يُتيح عدم الكشف عن الهوية، وإتاحة العلاج على مدار الساعة من راحة المنزل.

من هنا، فقد اُستخدمت أدوات الصحة النفسية الرقمية لتلبية احتياجات الأشخاص الذين يُعانون من الاضطرابات النفسية. وقد حُددت الهواتف الجوالة بصفتها الأداة المفضلة في الوصول إلى الرعاية الصحية، نظراً لتوفرها وانتشارها على نطاق واسع. وأشار استبيان أجرته منظمة الصحة العالمية لنحو 15,000 تطبيق صحي بأن 29% منها تركز على توفير خدمات الصحة النفسية.

بينما تُعد إمكانية الوصول إلى الهواتف الجوالة في غاية الشعبية حول العالم، فإن بعض المجتمعات غير مطّلعة على منافعها. وتسلط هذه الهوة الرقمية الضوء على عدم المساواة ما بين الأشخاص، بناء على عمرهم، أو مستوى دخلهم، أو تعليمهم. لكن حالات كهذه تبقى غير اعتيادية بالنسبة لإمكانيات الإتاحة المفتوحة التي توفرها الأدوات الذكية.

وجدير بالذكر بأن من شأن تطبيقات الهاتف الذكي تعزيز توفر علاجات الصحة النفسية وجودتها، فضلاً عن الارتقاء بالقدرة الكلية للرعاية. لكن هذه التطبيقات لا تزال عرضة لعامليّ العرض والطلب. كما أن الرعاية الذاتية ما تزال مرتبطة بالخيارات الأقل كلفة مقارنة مع الرعاية المباشرة (شخصاً لشخص). وفي حين قد تبدو التكلفة الأولية للبحوث وجمع المعلومات وتوفيرها باهظة للوهلة الأولى، فإنه بمجرد إتاحة هذه الموارد على الإنترنت (عبر تطبيقات جوالة أو على الشبكة)، ينخفض سعر إدارة هذه الخدمات نسبياً. بشكل عام، تتوفر تلك الأدوات الصديقة للجوال لمساعدة مزودي الرعاية الصحية، وليس التنافس معهم.

تكريس المنافع

يجب على المرضى، من أجل تكريس منافع أدوات الصحة النفسية الرقمية، أن يُدركوا بأن تلك الأدوات ليست بديلاً عن مزودي الرعاية الصحية، بل أنها تكمل عملهم. بالإضافة لذلك، يجب على مزودي الرعاية الصحية، وعلماء النفس، والأطباء النفسيين، أن يؤمنوا بأن تلك الأدوات إنما تؤدي دوراً داعماً، ولن تحدّ من استقلاليتهم أو تفسد علاقتهم مع مرضاهم. من هنا، يتوجب عليهم حثّ أنفسهم ومرضاهم على استغلال أدوات الصحة النفسية الرقمية. كما يتوجب على أنظمة الرعاية الصحية أن تستمر في توعية المستخدمين النهائيين بأهمية تلك الأدوات، ووظائفها، ومزاياها، من خلال الترويج لها عبر باقة متنوعة من القنوات. وكذلك يجب أن تقوم الحكومات بتوفير المزيد من التمويل لتطوير تلك التقنيات، وإجراء المزيد من البحوث في هذا المجال.

لا شك أن تعزيز كفاءة أدوات الصحة النفسية الرقمية تتطلب تفعيلها من قبل الذكاء الاصطناعي، بما يُحسّن إمكانياتها. ويُمكن استخدام الأدوات المعتمدة على الذكاء الاصطناعي من أجل الكشف المبكر للاضطرابات النفسية، وتنفيذ تدخلات مبكرة على غرار العلاج المعرفي السلوكي. كذلك، للمساهمة في إنشاء بيئة متعددة المهام، يتوجب أن تكون تلك الأدوات متكاملة ومتصلة ببعضها بعضاً. ويتوجب على الخبراء التقنيين أيضاً تطوير أدوات تفاعلية وعالية الكفاءة للصحة النفسية، بالإضافة إلى بناء الثقة اللازمة في الأدوات الرقمية من خلال تعزيز أمن المعلومات وتقليص خطر التعدي على الخصوصية الشخصية.  

التحدي الذي تطرحه أدوات الصحة النفسية الرقمية

بالرغم من قدرات أدوات الصحة النفسية الرقمية، ثمة تحديات يجدر التصدي لها. لا شك أن الأدوات الرقمية على غرار الهواتف الجوالة متوفرة بكثرة، لكن إمكانية الوصول إلى الإنترنت تتفاوت ما بين الأشخاص بناء على عمرهم، ومستوى دخلهم، وتعليمهم. ويُمكن لهذا الحاجز الرقمي أن يتسبب بعدم المساواة في الوصول عبر الأدوات الرقمية إلى خدمات الصحة النفسية. كما أن العديد من تقنيات الصحة النفسية توفر تدخلات غير قائمة على الأدلة، مما قد يُسبب أضراراً قد تفوق المنافع. ويكمن التحدي الآخر في نقص الأدلة حول فعالية العديد من أدوات الصحة النفسية الرقمية. وبالرغم من أن فاعلية بعض أدوات الصحة النفسية الرقمية قد تم تقييمها واختبارها، لم تكن تلك التقييمات كافية أو ملائمة. على سبيل المثال، لم يتم تقييم تطبيق "ووبوت" للصحة النفسية، الذي رُوج له بقوة، إلا لفترة أسبوعين فقط، في حين أنه يتم التوصية بتقييم طويل الأمد لأكثر من 6 أشهر لأدوات الصحة النفسية الرقمية.

ويتمثل تحدٍ آخر في عدم تبني المستخدمين النهائيين لأدوات الصحة النفسية الرقمية، والناتج عن عدم معرفتهم بتلك الأدوات أو خوفهم حول أمن المعلومات واحتمال خرق خصوصيتهم الشخصية. كما يُعد تطوير أدوات للصحة النفسية قائمة على الذكاء الاصطناعي تحدياً كبيراً لعدة أسباب، (1) الحاجة إلى قواعد معلومات ضخمة لتدريب النماذج والتحقق من صحتها، و(2) الطبيعة الفريدة وذات المتغيّرات العديدة والمتعددة النماذج للاضطرابات النفسية، حيث تبرز الحاجة إلى عدد هائل من المتغيّرات على عدة مستويات (بيولوجية، ونفسية داخلية، وشخصية، واجتماعية ثقافية) من أجل إنشاء نماذج تنبؤية. 

البحوث والتطبيقات في جامعة حمد بن خليفة

لقد أجرينا، في كلية العلوم والهندسة بجامعة حمد بن خليفة، العديد من الدراسات حول تطبيقات chatbot الخاصة بالصحة النفسية. على سبيل المثال، فقد وفرنا نظرة على خصائص تطبيقات chatbot الخاصة بدعم الصحة النفسية. ومن ثم، فقد أجرينا مراجعة منهجية وتحليلاً بعدياً لتقييم فاعلية تطبيقات chatbot للصحة النفسية. كما أننا أنتجنا دراسة بتقنية دلفي لتطوير هيكلية تقييم لفاعلية تطبيقات chatbot للصحة النفسية. وقد راجع فريقنا البحثي باقة من تطبيقات chatbot المرموقة التي تركز على العناية الذاتية للقلق والاكتئاب من خلال جوجل بلاي وجوجل ستورز.

ونحن حالياً بصدد تقييم عدة دراسات حول أدوات الصحة النفسية الرقمية. على سبيل المثال، فإننا نستكشف مدى دقة التقنيات القائمة على الذكاء الاصطناعي في تحديد الاضطرابات النفسية وتشخيصها. كما أننا نُجري مراجعة لنطاق عمل الأدوات القابلة للارتداء والاستخدام في مجال الصحة النفسية. وأخيراً، نحن نُجري مراجعة منهجية لفاعلية الألعاب الجادة في تحسين الصحة النفسية.

كما قمنا بتطوير ESRA، وهو تطبيق جوال يستخدم الذكاء الاصطناعي لتحليل رسوم الأطفال وتقييم صحتهم النفسية. بالإضافة لذلك، فقد طوّر فريقنا البحثي "سكون"، وهو تطبيق جوال انغماسي وابتكاري، يوفر علاجاً صوتياً باللغة العربية لمساعدة المستخدمين على الاسترخاء، والتركيز، والنوم. كما أننا بصدد الانتهاء من تطوير "ممهد"، وهي منصة رقمية جوالة للصحة النفسية توفّر خدمات الصحة النفسية للأفراد في قطر.  

الدكتور علاء عبدالرزاق والدكتور عرفان أحمد هما زملاء ما بعد الدكتوراه في مجال المعلوماتية الصحية بكلية العلوم والهندسة في جامعة حمد بن خليفة، فيما يشغل الدكتور موفق حوسة منصب أستاذ مشارك في الكلية.

ملاحظة:
هذا المقال مقدَّم من إدارة الاتصال بجامعة حمد بن خليفة نيابةً عن الكاتب، والآراء الواردة فيه تعكس وجهة نظر الكاتب، ولا تعكس بالضرورة الموقف الرسمي للجامعة.