دراسة للمؤشرات الحيوية في بروتين الدم تقدم رؤى جديدة في فهم اضطراب طيف التوحد
- الصفحة الرئيسة
- غرفة الأخبار
- دراسة للمؤشرات الحيوية في بروتين الدم تقدم رؤى جديدة في فهم اضطراب طيف التوحد
تهدف الدراسة إلى كشف أسرار اضطراب طيف التوحد وزيادة الوعي بأسبابه المختلفة.
بقلم/ الدكتور عمر الأجنف
اضطراب طيف التوحد هو حالة عصبية نمائية معقدة تؤثر على ملايين الأفراد حول العالم، وعلى الرغم من انتشارها الواسع، إلا أنّ الفهم المتاح حاليًا لأساسها الجزيئيّ ما زال ضعيفًا، مما يعيق تطوير استراتيجيات تشخيصية وعلاجية دقيقة، وفي معهد قطر لبحوث الطب الحيوي يتم بذل الجهود لكشف أسرار اضطراب طيف التوحد وتعميق فهمنا له.
وعلى الرغم من أن الأسباب الدقيقة لتزايد أعداد حالات اضطراب طيف التوحد لا تزال غير مؤكدة، إلا أن تغيير معايير التشخيص وزيادة الوعي باضطراب طيف التوحد قد يُسهمان في حل هذا اللغز، فمع مرور الوقت، أصبحت معايير التشخيص أكثر شمولاً، مما يمكّن المتخصصين في الرعاية الصحية من فهم السمات والأعراض المختلفة للتوحد بشكل أفضل. ونتيجة لذلك، بات من الأسهل الآن معرفة وتحديد الأفراد الذين يُظهِرون أشكالًا أخف أو غير نمطية للتوحد، والذين ربما استعصى تشخيصهم من قبل. وفي حين أن 30-40% من حالات اضطراب طيف التوحد تعود لأسباب وراثية، إلا أن الأسباب المؤدية لباقي الحالات تبقى مجهولة، ولكن هناك عوامل بيئية مختلفة قد تساهم في الإصابة باضطراب طيف التوحد، منها عمر الوالديْن، وإصابات الولادة، والعدوى الفيروسية، والتعرض للسموم والمخدرات، والمناعة الذاتية للأمهات.
في الوقت الحالي، لا يوجد اختبار وراثي أو اختبار دم يُجرَى للتحقق من وجود اضطراب طيف التوحد أو تشخيصه، لذا يعتمد الأطباء على مراقبة أعراض وسلوك الأفراد المصابين بالاضطراب لإجراء التشخيص، إلا أن ذلك قد يشكّل تحديًا، لأن أعراض اضطراب طيف التوحد يمكن أن تختلف في كل حالة، خاصة عند الإناث اللاتي قد لا يُظهرن علامات واضحة. ولهذا السبب من المهم العثور على مؤشرات حيوية لتشخيص اضطراب طيف التوحد، فوجود هذه المؤشرات من شأنه أن يساعد في تطوير طرق التشخيص الحالية وإتاحة فهم أعمق لهذه الحالة المعقدة. كما يعد تحديد المؤشرات الحيوية في التشخيص المبكر أمرًا بالغ الأهمية من أجل الشروع في التدخلات السلوكية المبكرة وتحسين نتائج علاج المصابين باضطراب طيف التوحد.
وقد بُذلت جهود بحثية كبيرة في دراسة الجينات المرتبطة باضطراب طيف التوحد في مجموعات سكانية مختلفة، وشهدت الآونة الأخيرة اهتمامًا متزايدًا بدراسة واستكشاف المحتوى البروتيني للدم في الأفراد المصابين باضطراب طيف التوحد، فقد أُجريت دراسة تجريبية مؤخرًا بقيادة الدكتور عمر الأجنف، الباحث الرئيسي في مركز بحوث الاضطرابات العصبية بمعهد قطر لبحوث الطب الحيوي، وكان لهذه الدراسة هدفان رئيسيان: الهدف الأول هو تحديد المؤشرات الحيوية في بروتين الدم التي يمكن أن تدلل على وجود اضطراب طيف التوحد لدى سكان قطر، والهدف الثاني هو إجراء تحليل شامل للمحتوى البروتيني للدم لاكتشاف الاضطرابات الشائعة التي قد تكون موجودة في حالات التوحد، مع الأخذ بالاعتبار مدى اختلاف مظاهر اضطراب طيف التوحد بين الأفراد. واستخدمت الدراسة تقنيات متقدمة لقياس أكثر من 1100 نوع من بروتينات الدم بشكلٍ متزامن وفحص مستوياتها في عينات مأخوذة من أطفال مصابين باضطراب طيف التوحد وآخرين غير مصابين.
أظهر تحليل بيانات الدم الذي أجراه فريق البحث عمليات حيوية غير طبيعية قد تكون مرتبطة باضطراب طيف التوحد، وكان للبروتينات المساهِمة في هذه العمليات علاقة بدرجة حدّة الاضطراب، حيث وجد الباحثون 251 بروتينًا ذا مستوىً غير طبيعي لدى الأطفال المصابين باضطراب طيف التوحد مقارنةً بالأطفال غير المصابين، وقد كانت مستويات 237 من هذه البروتينات مرتفعة بينما كانت مستويات 14 منها منخفضة. ثم قام الباحثون بتوظيف تقنيات التعلم الآلي لانتقاء البروتينات واختبار قدرتها على تصنيف الأطفال إلى مصابين وغير مصابين، وخلُصت الخوارزمية إلى تحديد 15 بروتينًا قادرًا على تصنيف الأطفال إلى مصابين باضطراب طيف التوحد وغير مصابين بدقّة تصل إلى 91.4%. ومن المثير للاهتمام أن مستويات هذه البروتينات تغيرت تبعًا لمدى حدة الأعراض. ومع ذلك، يتعين إجراء المزيد من الاختبارات للوصول للفهم الكامل لهذه الدلالات والبروتينات المرتبطة باضطراب طيف التوحد على المستوى الخلوي والجزيئي.
تعد هذه الدراسة، التي أُجريت في قطر، الأولى من نوعها في المنطقة، وواحدة من الدراسات القليلة في العالم التي أجرت فحصًا شاملًا لمجموعة واسعة من بروتينات الدم لدى الأطفال المصابين باضطراب طيف التوحد، وهي مثالٌ واحدٌ فقط على الأبحاث المكثفة التي يُجريها معهد قطر لبحوث الطب الحيوي للكشف عن الأسباب الجزيئية لاضطراب طيف التوحد وتحسين خيارات التشخيص والعلاج للمصابين. وفي دراسة نُشرت العام الماضي، قامت الدكتورة سارة عبد الله، عالمة في مركز بحوث الاضطرابات العصبية بالمعهد، وفريقها بفحص عينات مجموعة من الأفراد المصابين باضطراب طيف التوحد من سكان قطر لتحديد المؤشرات الحيوية للاضطراب في الحمض الريبوزي النووي الميكروي (microRNA). ويُجري فريق آخر بقيادة الدكتور عبد الإله الرضواني، عالم أول في مركز بحوث السكري بالمعهد، أبحاثًا مستمرة لتحديد أنماط التمثيل الغذائي المتغيرة المرتبطة باضطراب طيف التوحد. كما يقود الدكتور هيونغ جو كيم، عالم أول في مركز بحوث الاضطرابات العصبية بالمعهد، دراسة لتحليل الجينومات الكاملة في الأطفال المصابين من نفس المجموعة لاكتشاف الاختلافات الجينية المرتبطة حصرًا باضطراب طيف التوحد في العالم العربي.
تمثل هذه الأبحاث الموسعة التي يجريها معهد قطر لبحوث الطب الحيوي تقدمًا هامًا في الجهود المبذولة لمكافحة اضطراب طيف التوحد، حيث يسعى الباحثون في المعهد، من خلال دراسة المؤشرات الحيوية والتغييرات الجينية، إلى المساهمة في إتاحة التشخيص المبكر وتطوير علاجات أكثر فعالية لهذا الاضطراب المعقد.