سرطان الثدي: الوعي والفحص المبكر عوامل أساسية

رؤية مقدمة من معهد قطر لبحوث الطب الحيوي

الهيئة:  معهد قطر لبحوث الطب الحيوي
سرطان الثدي: الوعي والفحص المبكر عوامل أساسية

تصاب واحدة من كل ثمان سيدات في العالم بسرطان الثدي (1)؛ وبالتالي فإن معظم أفراد المجتمع في العالم يتأثرون به بشكل مباشر أو غير مباشر عن طريق مشاهدة أحباءهم يصارعون هذا المرض.

 تصاب واحدة من كل ثمان سيدات في العالم بسرطان الثدي

يتضامن العالم خلال شهر أكتوبر بالتحول للون الوردي، عبر الشريط الوردي  الذي يمثل رمزًا عالميًا لسرطان الثدي، في ظل حملة سنوية لتعزيز المعرفة بتأثير سرطان الثدي وتنمية الوعي بشأن أهمية الفحوصات المبكرة، التي من الممكن أن تنقذ الكثير من الأرواح. 

على مدار العشرين عامًا الماضية، استمر معدل الإصابة بسرطان الثدي في الزيادة على مستوى العالم، مع معدل ارتفاع مماثل في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (2). وِفقًا لإحصاءات عام 2016 في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تحتل دولة قطر المرتبة الرابعة بمعدل 39 إصابة لكل 100,000 (2). قبل التمعن في معدلات الوفيات، من المهم جدًا تسليط الضوء على أهمية الكشف المبكر، حيث أن معدل البقاء على قيد الحياة لمدة خمس سنوات لدى المصابات بسرطان الثدي في مراحله المبكرة يتجاوز 90٪ (الشكل 1) (3). وتنخفض معدلات البقاء على قيد الحياة بشكل كبير في مراحل السرطان الأكثر تقدمًا، وبالتالي فإن الاكتشاف والتشخيص المبكر أمر أساسي. في الولايات المتحدة الأمريكية، من إجمالي المصابات بسرطان الثدي، 63٪  تم تشخيصهم في مرحلة مبكرة، في حين تم تشخيص 47٪ فقط من النساء اللواتي تتراوح أعمارهن بين 15 و39 عامًا في مراحل مبكرة، وقد يعود ذلك إلى أن الفحص الروتيني لا يبدأ إلا من سن 40 سنة (4). وفي جميع الأنواع الفرعية لسرطان الثدي ومراحله، تكون معدلات البقاء على قيد الحياة أقل نسبيًا لدى النساء دون سن الأربعين (2).

لهذا، فإننا نخصص إصدار شهر أكتوبر 2021 من سلسلة رؤية معهد قطر لبحوث الطب الحيوي لتعزيز الوعي بسرطان الثدي وأهمية الفحص المبكر، على أمل توفير مرجعية ومعلومات مقنعة للمضي قدمًا في هذه المبادرة وتشجيع الأحباء على إجراء الفحوصات.

يُشخص سرطان الثدي بثلاث طرق أساسية للفحص، وهي: الفحص السريري، الإشعاعي (تصوير الثدي بالأشعة السينية، والتصوير بالرنين المغناطيسي والموجات فوق الصوتية) والهيستوباثولوجي (علم أمراض الأنسجة) المناعي (5). ومع ذلك، فإن سرطان الثدي هو مرض غير متجانس على المستويين الإكلينيكي والجزيئي. وبالتالي يُصنف على أساس معايير تصنيف عديدة، حيث يحدد التصنيف الأكثر شيوعًا (المناعي النسيجي الكيميائي) أربعة أنواع فرعية وفقًا للتعبير الجيني أو إنعدامه لثلاثة بروتينات: مستقبل عامل نمو الجلد البشري 2 (HER2)  ومستقبل البروجسترون (PR) ومستقبل الاستروجين(ER). على الرغم من ذلك، يمكن أن تكون عينات الورم السريرية أو الخزعات من نفس النوع الفرعي غير متجانسة، وبالتالي أصبح التنميط الجزيئي للأورام مهمًا للغاية للحصول على تصنيف دقيق لنوع الورم والمساعدة في وضع خطة علاجية. يستمر علاج سرطان الثدي في التطور في ظل التطورات العلمية، ويعتمد حاليًا بشكل روتيني على عدة عوامل منها مراحل انتشار العُقد، والدرجة النسيجية، والتعبير الجيني لمستقبلات الهرمونات، والتعبير الجيني المفرط لمستقبل عامل نمو الجلد البشري 2، وعمر المصابة.

في ظل التطورات العلمية تم مؤخرًا شمل تحليل التنميط الجزيئي للرعاية السريرية للمرضى باستخدام تقنيات مثل (MammaPrint) (6) و(Oncotype DX) (7)، اللتين تمت الموافقة عليهما من قبل إدارة الغذاء والدواء الأمريكية. وصُممت هذه التقنيات لتقييم مستويات تتعلق بجينات معينة داخل الورم لإعطاء مؤشرات على احتمالية تكرار الإصابة في غضون 10 سنوات من التشخيص لدى مرضى سرطان الثدي في مراحله المبكرة، وبالتالي توجيه الأطباء لاتخاذ القرارات العلاجية الملائمة.

عبء سرطان الثدي في مرحلة الشباب

سرطان الثدي ثلاثي السلبية يمثل 15-20٪ من جميع الحالات، وهو أحد أكثر أنواع سرطان الثدي خطورة (8). يظهر هذا النوع في سن أصغر، وهو أكثر شراسة، ومعدل البقاء على قيد الحياة أقل نسبيًا، وهو أكثر عرضة للانتشار لمناطق بعيدة بالجسم، ويرتبط بمعدل وفيات يصل إلى 40٪ خلال السنوات الخمس الأولى من التشخيص. يفتقر سرطان الثدي ثلاثي السلبية إلى ظهور مستقبلات الهرمونات ومستقبل عامل نمو الجلد البشري 2، وبالتالي فهو غير قابل للعلاج الهرموني أو العلاج المستهدف لمستقبل عامل نمو الجلد البشري 2. ومقارنة بالمرضى الأكبر سنًا، تتميز سرطانات الثدي لدى النساء الأصغر سنًا بسمات غير مواتية مثل الأورام ذات الحجم الأكبر، ومراحل متأخرة، وزيادة في إيجابية العقد الليمفاوية، وانخفاض معدلات البقاء على قيد الحياة دون تكرار الإصابة بالسرطان.

وقد كشفت الدراسات الجينية أن سرطان الثدي لدى النساء الأصغر سنًا يحتوي على أكثر من 350 مجموعة جينية بمستويات متغيرة بشكل ملحوظ مقارنة بالمرضى الأكبر سنًا (9). وبشكل عام، فإن 5-10٪ من الحالات الوراثية لسرطان الثدي تتعلق بشكل أساسي بالطفرات التي تحدث لجينات (BRCA1) و(BRCA2)، ومع ذلك، فقد ارتبطت طفرات BRCA الجينية لسرطان الثدي بأكثر من 20٪ من المريضات المصابات بسرطان الثدي ثلاثي السلبية، ممن ليس لديهن تاريخ عائلي بالإصابة بسرطان الثدي أو سرطان المبيض وشُخصت الحالة في سن مبكرة (دون عمر الـ50 سنة). كما كشفت دراسة أجريت على شابات عربيات مصابات بسرطان الثدي ثلاثي السلبية تقل أعمارهن عن 50 سنة أن 18.3٪ من المصابات كان يحملن طفرة جين (BRCA1) و7٪ منهن يحملن طفرة (BRCA2) (10). وأظهرت دراسة أُجريت في قطر أن النساء اللاتي يحملن طفرات جينية (BRCA1/2) قد شُخصت بأنواع فرعية أكثر شراسة في سن مبكر مقارنة بمن لا يعانين من الطفرات الجينية (متوسط العمر 34 مقارنة بعمر الـ41)، وأن 56.3٪ ممن تحملن الطفرات الجينية (BRCA1/2) كن من بين المصابات بالنوع الفرعي من سرطان الثدي ثلاثي السلبية (11). وتشير هذه الدراسات وغيرها إلى أن النساء الأصغر سنًا اللاتي يحملن طفرة جينية لـ (BRCA) لديهن مخاطر أعلى بشكل ملحوظ تتعلق بالإصابة بسرطان الثدي الأكثر شراسة، بينما يمكن أن يساهم الاكتشاف المبكر للمرض في تحسين معدلات التعافي والبقاء على قيد الحياة.

تطور علاج سرطان الثدي

شهد مجال علاج سرطان الثدي ثلاثي السلبية العديد من التطورات. وما زال الباحثون يواصلون محاولات تحديد علامات بيولوجية عن طريق التنميط الجزيئي والدراسات التجريبية، لتسهيل العلاج وفهم مدى تعقيد البيئة المحيطة بالورم (البيئة المجهرية المحيطة بالورم) لاكتشاف ماذا يجعل الورم عرضة لعدم الاستجابة للعلاج. 

يرتبط سرطان الثدي ثلاثي السلبية بمستويات أعلى من الجينات التي تحفز انتشار الورم إلى أجزاء أخرى من الجسم (الجينات المعززة للورم الخبيث) ومستويات أقل من الجينات المثبطة للورم الخبيث (12). علاوة على ذلك، يحتوي سرطان الثدي ثلاثي السلبية على خصائص تمنع اكتشاف الجهاز المناعي (الكبح المناعي للورم) مثل طفرات جين (TP-53) واستقطاب الخلايا المناعية إلى "وضع السكون" بحيث لا تستجيب للتهديد الذي تشكله الخلايا السرطانية. ولـ ’إيقاظ‘ هذه الخلايا المناعية، طور الباحثون العديد من الأجسام المضادة لاستهداف الجزيئات التي تثبط الاستجابة المناعية مثل مستضد الخلايا الليمفاوية التائية السامة-4 (CTLA-4) وجزيء الموت المبرمج (PD-L1)، وهو نمط علاجي يعرف باسم العلاج المناعي (الشكل 2).

ومن خلال العديد من التجارب السريرية التي تُقيّم فعالية هذه الأجسام المضادة، اعتمدت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية عقار أتيزوليزوماب (تيسنتريك) في مارس 2019 لعلاج المصابات بسرطان الثدي ثلاثي السلبية المتقدم، للأورام التي تحمل (PD-LI) (13). ولا تستجيب جميع السيدات اللائي يعانين من أورام تحمل (PD-LI) للعلاج المناعي المضاد لهذا البروتين، وبالتالي تم إكتشاف واعتماد علامات بيولوجية أخرى لتحديد الحالات المرضية التي يمكن أن تستفيد من هذا العلاج.

ويمثل العبء الطفري للورم أحد المؤشرات الحيوية الرئيسية للتنبؤ بأهلية المرضى للعلاج المناعي، وهو إجمالي عدد الطفرات الجسدية (غير الموروثة) داخل جينوم الورم. وقد اعتمدت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية في يونيو 2020 استخدام الأجسام المضادة لـ (PD-LI) بيمبروليزوماب (كيترودا) لعلاج الأورام التي يصعب علاجها لدى البالغين والأطفال بما في ذلك سرطان الثدي ثلاثي السلبية، للأورام التي تمتلك عبء طفري أعلى من قيمة محددة (14).

وفي يونيو من هذا العام، اعتُمد دواء بيمبروليزوماب (كيترودا) أيضًا كعلاج رئيسي لمعالجة المرحلة المبكرة من سرطان الثدي ثلاثي السلبية ذي المخاطر العالية جنبنًا إلى جنب مع العلاج الكيميائي. وفي حالات سرطان الثدي ثلاثي السلبية الانتكاسي المنتشر، منحت إدارة الغذاء والدواء مؤخرًا موافقة عاجلة لعقار تروديلفي (ساسيتوزوماب جوفيتيكان-هازي).

عقار تروديلفي هو عبارة عن أجسام مضادة لبروتين (Trop-2) الذي يساعد السرطان على النمو والانقسام والانتشار. ويُستخدم العقار إلى جانب عقار مثبط للتوبوأزوميراز، وهو مركب كيميائي سام للخلايا السرطانية. ولاستكمال هذه التطورات يلزم إجراء مزيد من التنقيح ومعايير قياسية للتنميط الجزيئي للورم لتحديد أهلية المرضى لبعض العلاجات وتمكين تطبيق الطب الشخصي الدقيق بدقة أكبر.

أبحاث سرطان الثدي في معهد قطر لبحوث الطب الحيوي

يركز مركز البحوث التطبيقية للسرطان والمناعة في معهد قطر لبحوث الطب الحيوي على مجالين من مجالات أبحاث السرطان، وهما: اكتشاف العلامات البيولوجية وآليات المقاومة، وعلم المناعة والعلاج المناعي لأمراض السرطان. ويشارك باحثو المركز في تحديد العلامات البيولوجية لتوجيه تشخيص سرطان الثدي، وتطوير اكتشافات جديدة للتنبؤ بنتائج بعض العلاجات وأثرها على المرضى.

كما يركز باحثو معهد قطر لبحوث الطب الحيوي على فهم البيئة المجهرية المحيطة بالورم، لاكتساب نظرة ثاقبة حول كيفية قدرة الخلايا السرطانية على التخفي من الجهاز المناعي وتجنب التدمير. ويعتبر هذا الفهم مهمًا لتحسين الاستجابة لوسائل العلاج المناعية الحالية وتمهيد الطريق لأهداف علاجية جديدة لسرطان الثدي. كما يشارك باحثو مركز البحوث التطبيقية للسرطان والمناعة في مشاريع بحثية تعاونية ومتعددة التخصصات، يعمل أحدها على تحديد الطفرات الجينية المسببة للمرض بخلاف (BRCA1/2) ضمن العائلات المصابة بسرطان الثدي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ويركز الهدف النهائي على فهم الاستعداد لدى المجتمعات العربية للإصابة بسرطان الثدي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لتوجيه اتخاذ قرار العلاج الشخصي وتحسين نسب التعافي.

إعداد: د. مريم المفتاح (عالم، معهد قطر لبحوث الطب الحيوي)، وريم الأسد (باحث مساعد، معهد قطر لبحوث الطب الحيوي).
مراجعة النسخة العربية: وريم الأسد (باحث مساعد، معهد قطر لبحوث الطب الحيوي).
المحررون: د. أدفيتي نايك (باحث ما بعد الدكتوراه، معهد قطر لبحوث الطب الحيوي)، والدكتور براسانا كولاتكار (عالم أول، معهد قطر لبحوث الطب الحيوي).

لتصفح المراجع، يُرجى الضغط هنا.