إعداد: فريق الباحثين بمعهد قطر لبحوث الطب الحيوي
تسبب مرض فيروس كورونا (كوفيد - 19)، في إحداث فوضى عارمة في جميع أنحاء العالم، مع ما سببه من مضاعفات خطيرة الناتجة عن العدوى بالفيروس، وارتفاع كبير في معدلات الإصابة بالمرض. وفي الوقت الذي كانت فيه أعراض الجهاز التنفسي محور الاهتمام الرئيسي على مستوى العالم، إلا أن تأثير كوفيد - 19 على الجهاز العصبي المركزي كان أيضا يُثير قلقا متزايدا، حيث تم اكتشاف أعراض لأمراض عصبية على نطاق واسع لدى المرضى المصابين بفيروس كورونا، فضلًا عن ملاحظة وجود مضاعفات عصبية بعد الشفاء من المرض، ورغم ذلك، فحتى الآن تظل معرفة البصمة الجزيئية والإشارات العصبيه المتأثرة في الجهاز العصبي المركزي بعيدة المنال بالنسبة لمرضى كوفيد – 19 الحاد.
وقد سلّطت دراسة جديدة تحت إشراف الدكتور هواري عبد السلام، مدير مختبر البروتينات الرئيسي، في جامعة حمد بن خليفة، الضوء على بصمة البروتين العصبي لفيروس كوفيد-19 الحاد، وتضمنت هذه الدراسة تعاوناً مكثفاً مع مراكز وخبراء آخرين في المجال، حيث تمت الاستفادة من القدرات التقنية الفريدة لمختبر البروتينات، لتحديد وفهم التأثير العصبي للفيروس في الوقت الفعلي أثناء الجائحة.
وحللت الدراسة عينات البلازما من مرضى كوفيد – 19 من ذوى الإصابة الخفيفة والحادة، بالإضافة إلى أشخاص يتمتعون بصحة جيدة، وباستخدام منصة متطورة لتحليل البروتينات في المنشأة الرئيسية للجامعة ، تُسمى OLINK، إذ قام باحثون من معهد قطر لبحوث الطب الحيوي بفحص 184 بروتينًا متعلقًا بالجهاز العصبي المركزي، واستخدموا تحليل المعلومات الحيوية متعدد النهج لتحديد 34 علامة حيوية عصبية خاصة بكوفيد-19 الحاد، حيث تمثل هذه النتائج طفرة كبيرة في فهمنا لتأثير المرض على الجهاز العصبي المركزي.
وللتحقق من صحة بصمة البروتين العصبي، تعاون فريق معهد قطر لبحوث الطب الحيوي مع علماء في الولايات المتحدة، من أجل الوصول إلى بيانات مجموعات مستقلة، حيث استخدموا عينات من الدم وعينات للدماغ بعد الوفاة، إذ أكدت عملية التحقق الصارمة هذه من وجود بصمة البروتين وعلاقتها بالأمراض العصبية، وتم العثور على البروتينات التي تم تحديدها وترتبط بحالات مختلفة مثل الإصابة العصبية ومرض الباركنسون ومرض الزهايمر والتصلب الجانبي الضموري والفصام، وهو ما يشير إلى وجود آليات ومسارات مشتركة محتملة بين كوفيد - 19 الحاد، وهذه الاضطرابات العصبية.
كما كشفت الدراسة أيضا عن وجود علاقة بين بصمة البروتين العصبي والأدوية العلاجية، وتحديدا ريسبيريدون ، وهو دواء يُحسّن أعراض الفصام، حيث تفتح هذه النتيجة الباب لإمكانيات جديدة لإعادة استخدام الأدوية الحالية، أو تطوير خطط علاجية جديدة للتخفيف من الأعراض/ العواقب العصبية لفيروس كوفيد - 19 الحاد.
ويكمن أحد أهم النتائج المترتبة على هذا البحث، هي قدرته على المساعدة في تطوير أدوات التنبؤ والتشخيص للمضاعفات العصبية لدى مرضى النقاهة بعد إصابتهم بفيروس كوفيد - 19، حيث كانت الأعراض العصبية التي تستمر لفترة طويلة مدعاة للقلق، والتي يشار إليها غالبا باسم "كوفيد ذو الآثار طويلة الأمد"، فمن خلال بصمة البروتين المحددة، يمكن لأخصائيي الرعاية الصحية تقييم خطر الإصابة بأمراض عصبية مزمنة لدى الأفراد الذين تعافوا من كوفيد - 19 الحاد، مما يتيح سرعة التدخل المبكر واتباع بروتوكولات علاج شخصية، وقد أظهر التعاون المكثف المرتبط بإجراء هذه الدراسة، قوة الأبحاث متعدد التخصصات وأهمية استخدام ودمج جميع الموارد والخبرات في أوقات الأزمات، فمن خلال الجمع بين القدرات التقنية الفريدة لمختبر البروتينات وتحليل المعلومات الحيوية، قدمت هذه الدراسة رؤى وأفكار لا تقدر بثمن حول التأثير العصبي لفيروس كوفيد – 19 الحاد.
ومن خلال الكشف عن البصمة الجزيئية والمسارات غير المنظمة في الجهاز العصبي المركزي لمرضى كوفيد-19 الحاد، يأمل معهد قطر لبحوث الطب الحيوي في الاقتراب خطوة أخرى من تطوير بروتوكولات فعّالة لإدارة وعلاج المضاعفات العصبية المرتبطة بالفيروس، كما شكَّل التعاون بين المراكز البحثية الثلاثة بمعهد قطر لبحوث الطب الحيوي، ومؤسسة حمد الطبية، ومختبر مكافحة المنشطات في قطر، سابقة فريدة للجهود البحثية المستقبلية في دولة قطر، مما يؤكد الدور الحيوي للتعاون العلمي والبحثي، فضلًا عن التقنيات المبتكرة في فهم ومكافحة التحديات التي تفرضها الأزمات الصحية العالمية.
يمكن الاطلاع على الدراسة الكاملة في الموقع الالكتروني: https://doi.org/10.1016/j.nbd.2023.106147
لمزيد من المعلومات حول معهد قطر لبحوث الطب الحيوي، وهو مركز وطني متميز، ومركز عالمي للبحوث الطبية الحيوية والانتقالية المتعلقة بمرض السكري والسرطان والاضطرابات العصبية، يرجى زيارة: qbri.hbku.edu.qa