بحسب البيانات الصادرة عن منظمة الصحة العالمية، يعاني حوالي 50 مليون شخص في جميع أنحاء العالم من الخرف، وهناك ما يقرب من 10 ملايين حالة جديدة كل عام. وهو مرض مدمر يسبب ضغطًا كبيرًا للأفراد المصابين به وأسرهم، وهناك العديد من أنواع الخرف. والسبب الأكثر شيوعًا لحدوث الخرف هو الزهايمر، الذي يُعتقد أنه ناجم عن تراكم غير طبيعي للبروتينات في خلايا الدماغ وحولها، وهو ما يؤدي إلى حدوث انخفاض في عدد الناقلات العصبية التي تشارك في إرسال الإشارات بين خلايا الدماغ، وتبدأ هذه العملية حتى قبل 18 عامًا من ظهور الأعراض. وتشتمل العملية التي تدمر الدماغ على نوعين من البروتينات، هما بيتا أميلويد وتاو. ويتكتل بروتين بيتا أميلويد في لويحات تتراكم ببطء بين خلايا الدماغ، بينما يتراكم بروتين تاو غير الطبيعي داخل خلايا الدماغ مكونًا عقدًا تؤدي إلى التدهور المعرفي. 

ويعاني مرضى الخرف بالفعل من فقدان الذاكرة والارتباك، لكن عام 2020 كان أكثر صعوبة بالنسبة لهؤلاء المرضى، وشكَّل وقتًا مثيرًا للقلق بالنسبة لأسرهم. وتعد ممارسة الروتين اليومي المنتظم من الأمور الضرورية للأشخاص المصابين بالخرف، لكن هذا الأمر لم يكن ممكنًا خلال عام 2020 بسبب القيود الناجمة عن انتشار فيروس كوفيد-19 وعدم قدرة أفراد الأسرة على زيارة المصابين بالخرف والتفاعل معهم أو كليهما في بعض الحالات. ويجد الأشخاص المصابون بالخرف أيضًا معاناة عند محاولتهم تذكر الإجراءات الوقائية، مثل ارتداء الكمامات، وهو ما يعرضهم لخطر أكبر للإصابة بالعدوى.

وقد أدى الوباء إلى ظهور معدل وفيات مرتفع للغاية بين الأشخاص المصابين بالخرف على مستوى العالم، وفقًا للبيانات الصادرة عن الجمعية الدولية لمرض الزهايمر. ففي كندا، على سبيل المثال، كان 85٪ من جميع وفيات فيروس كوفيد-19 من الأشخاص الذين يتلقون رعاية طويلة الأجل، في حين شكَّل المرضى المصابون بالخرف ما يقرب من ثلثي الوفيات المرتبطة بالفيروس. وفي المملكة المتحدة، وصلت نسبة الوفيات من جراء الإصابة بالفيروس بين صفوف المصابين بالخرف إلى 26٪، بينما وصلت نسبة الوفيات في أقاليم إيطاليا إلى 20٪.

ومن المتوقع أن يصل إجمالي عدد المصابين بالخرف إلى 82 مليون شخص في عام 2030، و152 مليونًا في عام 2050، وهذه التقديرات من بين الأسباب التي تجعل البحث عن استراتيجيات جديدة للتشخيص المبكر من أكثر المجالات أهميةً ونشاطًا في مجتمع أبحاث الزهايمر، حيث أن المرض عادةً ما يُشخص فقط بعد ظهور الأعراض، عندما يكون من الصعب القيام بكثير من التدخلات العلاجية. 

وفي الوقت الحالي، لا يمكن تقييم التغيرات الدماغية التي تحدث قبل ظهور أعراض الخرف المصاحب لمرض الزهايمر بشكلٍ موثوقٍ إلا عن طريق فحوصات التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني، وعبر قياس بروتينات الأميلويد والتاو في السائل الشوكي، وهي طرق باهظة الثمن وتوسعية.

ولكن هناك نتائج حديثة مهمة جدًا قدمت أخبارًا ممتازة. ففي المؤتمر الدولي السنوي الأخير لجمعية الزهايمر استعرض العلماء نتائج دراسات متعددة حول التقدم في فحوصات الدم لنسخ غير طبيعية من بروتين تاو. وقد تكون هذه الفحوصات قادرة على اكتشاف التغيرات في الدماغ قبل 20 عامًا من ظهور أعراض الخرف. وركزت التقارير على شكل معين من أشكال بروتين تاو يُعرف باسم بروتين تاو 217، الذي يبدو أنه الأكثر ارتباطًا بمرض الزهايمر، وهو أول بروتين يظهر تغييرات قابلة للقياس. ونظرًا لعدم وجود أي دواء لعلاج الزهايمر، فإن الاكتشاف المبكر للمرض أمر بالغ الأهمية. وقد حذرت منظمة الصحة العالمية من إمكانية تضاعف عدد المصابين بهذا الاضطراب ثلاث مرات خلال السنوات الثلاثين المقبلة إذا تُرك دون علاج.

ويعتقد الخبراء أن المؤشرات الحيوية تقدم أحد أكثر المسارات الواعدة، ويبدو الدكتور عمر الأجنف، المدير التنفيذي لمعهد قطر لبحوث الطب الحيوي بجامعة حمد بن خليفة، مهتمًا بهذه التطورات، حيث يقول: "إنها تمثل تطورًا كبيرًا في الأبحاث المتعلقة بمرض الزهايمر، ويمكن أن تكون جيدة مثل تصوير الدماغ، وهو تدخل مكلف للغاية ويستغرق وقتًا طويلاً وغير متوفر في جميع المستشفيات."

وتابع قوله: ""وجود فحص دم بسيط يمكنه تحديد الأشخاص الأكثر عرضة للإصابة بمرض الزهايمر، والقيام بذلك قبل ما يصل إلى 20 عامًا من ظهور الأعراض، سيمثل خطوة كبيرة إلى الأمام في المعركة ضد المرض."

وأضاف: "أود أن أرى معهد قطر لبحوث الطب الحيوي يشارك في تطوير فحوصات المؤشرات الحيوية في الدم داخليًا، بالتعاون مع الأطراف المتعاونة معنا من مؤسسة حمد الطبية ووايل كورنيل للطب- قطر، حيث يمكن أن تكون هذه الخطوة ذات فائدة كبيرة لسكان دولة قطر."

وتجدر الإشارة إلى أن مركز بحوث الاضطرابات العصبية، التابع لمعهد قطر لبحوث الطب الحيوي، يضم مجموعة بحثية رائدة تركز على بحوث المؤشرات الحيوية المصاحبة لمرض الخرف.

ويُعدُ مرض السكري من عوامل خطر الإصابة بالخرف حيث تشير بعض الدراسات إلى أن ما يصل إلى 50٪ من المرضى المصابين بالنوع الثاني من داء السكري معرضون لخطر الإصابة بالخرف. ويعاني العديد من مرضى السكري من تغيرات في الدماغ تُعد من السمات المميزة لكل من مرض الزهايمر والخرف الوعائي، كما أن المنطقة بها نسبة عالية من المرضى المصابين بالنوع الثاني من داء السكري.

وحول ذلك، يقول الدكتور الأجنف: "أعتقد أن أفضل علاج لأي مرض هو الوقاية منه، وأنا سعيد للغاية بآفاق هذا البحث الأخير. وإذا تمكنَّا من البدء في علاج الناس في مرحلة مبكرة، عندما يكونون معرضين لخطر الإصابة بالخرف، فسيكون ذلك أكثر فعالية بكثير."

وبالإضافة إلى هذا التقدم الكبير، حدث تقدم آخر فيما يتعلق بعلاج مرض الزهايمر، فقد أفادت شركة بيوجين الأمريكية، وهي مؤسسة أمريكية ومتعددة الجنسيات متخصصة في مجال التكنولوجيا الحيوية، بتحقيقها لنتائج إيجابية من التجارب السريرية للجسم المضاد أحادي النسيلة "أدوكانوماب"، وتقدمت بطلب للحصول على اعتماد لهذا العلاج من إدارة الغذاء والدواء الأمريكية. وتتعاون شركة إيساي المحدودة، وهي شركة دوائية عالمية رائدة تتخذ من اليابان مقرًا لها، مع شركة بيوجين في إنتاج دواء "أدوكانوماب". ويُعتقد أنه في حال اعتماد هذا الدواء، فسوف يُحدث فارقًا كبيرًا في تحسين حياة الأشخاص المتعايشين مع مرض الزهايمر، وسوف يمثل خطوةً كبيرةً على طريق تحقيق تحول نوعي في علاج المرض. 

ولم يُعتمد أي دواء في هذا المجال على مدار الـ 17 عامًا الماضية، لذا إذا ما نجحت شركة بيوجين في مساعيها، فقد يمثل هذا الأمر تقدمًا كبيرًا في الجهود المبذولة لمكافحة مرض الزهايمر.
 
وبالإضافة إلى البحوث العلمية، تتطلب الآثار الاجتماعية لهذا المرض اهتمامًا خاصًا. وقد أُطلق، مؤخرًا في دولة قطر، خط وطني ساخن لمساعدة مرضى الزهايمر وضعف الذاكرة تحت إشراف وقيادة الدكتورة هنادي خميس الحمد، قائد برنامج الشيخوخة الصحية في الاستراتيجية الوطنية للصحة بدولة قطر – وخطة قطر الوطنية للخرف، والمسؤولة عن المرصد العالمي للخرف بمنظمة الصحة العالمية؛ بهدف تحسين الرعاية المقدمة لكبار السن. ويوفر الخط الساخن دعمًا هاتفيًا مجانيًا وسريًا لرعاية الأشخاص المتعايشين مع مرض الزهايمر، ومقدمي خدمات الرعاية الصحية لهم، وعائلاتهم. 

وأخيرًا، يعتقد الدكتور عمر الأجنف أيضًا أنه يمكن للناس تحسين فرصهم في تجنب الإصابة بالخرف عبر اختيار أنماط حياتهم الصحية، حيث قال: "أحث الناس على اتباع أسلوب حياة صحي، ليس فقط عبر الالتزام بعادات غذائية جيدة وممارسة الرياضة، ولكن أيضًا عبر الامتناع عن تناول الأطعمة والمواد الضارة، والحصول على قسط كافٍ من النوم، وتجنب الإجهاد حيث سيساعد ذلك على تقليل فرص الإصابة بالخرف خلال فترة لاحقة من الحياة."

واختتم تصريحاته قائلاً: "أؤيد تمامًا الدليل المكون من 12 خطوة الذي أصدرته منظمة الصحة العالمية للحد من مخاطر الإصابة بالخرف".

وهذه الخطوات الإثنى عشرة هي ممارسة التمارين الرياضية، والإقلاع عن التدخين، وتناول وجبات صحية، والامتناع عن الإفراط في تناول الكحول، وتدريب الدماغ، والحرص على التواصل الاجتماعي، وفحص ضغط الدم باستمرار، وفحص معدل السكر في الدم، وفحص معدل الكوليسترول في الدم، ومعالجة الاكتئاب، وفحص السمع.