أبحاث جامعة حمد بن خليفة تتعهد بعالم أكثر عدالة فيما يتعلق باللقاحات
الهيئة:  كلية العلوم والهندسة
قام باحثون في جامعة حمد بن خليفة بتطوير إطارًا جديدًا يضمن توزيعًا أكثر عدالة للقاحات

اللقاحات هي سلاحنا الأقوى في مواجهة الأوبئة؛ لذا تعتبر الكيفية التي توزَّع بها عالميًا أمرًا بالغ الأهمية، ومع ذلك، فقد كشفت جائحة كوفيد-19 الأخيرة عن عيوب في أنظمة توزيع اللقاحات، حيث احتكمت الدول الأكثر ثراءً إلى صفقات ثنائية لتأمين القدر الأكبر منها، وبحلول يونيو 2021، كانت 10 دول فقط تمتلك ما نسبته 75% من جميع اللقاحات الموزعة، الأمر الذي خلق تفاوتًا كبيرًا في فرص التطعيم بينها وبين ما تبقى من دول العالم.

وإن طبيعة الأوبئة المتمثلة في سرعة انتشارها عالميًا تعني أن سياسات الدول، المنصبّة على تحقيق مصالحها الذاتية من خلال احتكار اللقاحات، لن تؤدي إلا إلى إطالة أمد الأزمات من خلال منع الدول الأخرى من الوصول إلى الموارد المحدودة، وهذا ما يُعرف أيضًا باسم "مشكلة العمل الجماعي"، حيث تسعى كل جهة لتحقيق مصالحها الشخصية بشكلٍ أناني، مما يؤدي لخسارة الجميع، بمن فيهم تلك الأطراف الأنانية.

واستباقاً لتفشي الأوبئة في المستقبل، سيكون إنشاء سوق عالمية للقاحات أمرًا حاسمًا لتقليل الوفيات والحد من انتشار العدوى، بحيث تشجع الدول على إعطاء الأولوية لأهداف اجتماعية تعود بالنفع على الجميع، فيما تُقدم مبادرة "كوفاكس" (COVAX) - وهي مبادرة رائدة أطلقها تحالف ابتكارات التأهب الوبائي، والتحالف العالمي للقاحات والتحصين (Gavi)، واليونيسف، ومنظمة الصحة العالمية - دراسة حالة تفصيلية لتُرشد واضعي الخطط وصانعي السياسات والعاملين في المجال، كما وضعت مبادرة "كوفاكس"، التي انطلقت في أبريل 2020، منهجًا من مرحلتين لضمان الوصول العالمي العادل للقاحات كوفيد-19، ففي المرحلة الأولى، سعت المبادرة إلى ضمان أن تتمكن الدول المشاركة من تطعيم ما لا يقل عن 20% من سكانها، ومن ثم يتم تخصيص اللقاحات وفقًا لاحتياجات الدول ومدى تضررها.

ورغم أن التخصيص النسبي بدا عادلًا ظاهريًا، إلا أنه تعارض مع الهدف الأساسي للتطعيم، ألا وهو تقليل الوفيات؛ ففي سبتمبر 2021، على سبيل المثال، أعلنت "كوفاكس" عن خطتها لتوزيع 76 مليون جرعة على 46 دولة نامية، والغريب أنه تم تخصيص جرعات لنحو 6% من سكان إحدى هذه الدول، على الرغم من عدم وقوع وفيات بكوفيد-19 في الشهر السابق، وفي تناقضٍ ملحوظ، تم تخصيص جرعات لما نسبته 1% فقط من سكان دولة أخرى كانت قد أبلغت عن 7 وفيات لكل مليون شخص في الشهر السابق للقرار، وكذلك جاءت جاهزية الدول لتلقي اللقاحات وإدارة توزيعها موضعًا للتشكيك بعد ظهور تقارير عن قيام بعض الدول بالتخلص من كميات كبيرة من اللقاحات بسبب انتهاء صلاحيتها وسوء ظروف التخزين.

ومع انتهاء برنامج "كوفاكس" في نهاية عام 2023، أصبح من الضروري وضع استراتيجيات جديدة لضمان التوزيع العادل للقاحات في حال تفشي أوبئة جديدة مستقبلًا، واستجابةً لذلك، قام باحثون في جامعة حمد بن خليفة بتطوير إطارًا جديدًا للسوق العالمية يضمن توزيعًا أكثر عدالة للقاحات بغض النظر عن القوة الاقتصادية للدول، وباستخدام نظرية الألعاب والمزادات، صاغ الباحثون آلية لتوزيع اللقاحات على الدول بكفاءة بهدف تقليل الهدر، حيث تُعد هذه الآلية بمثابة سوق مركزية للقاحات تحفز الدول على الإفصاح بشفافية عن البيانات الوبائية لديها ومدى جاهزيتها لإدارة توزيع اللقاحات محليًا.

وتكمن أهم ميزة لهذا الإطار في المواءمة بين المصالح الذاتية للدول والأهداف العالمية، مما يزيد من الفائدة الاجتماعية لإدارة اللقاحات، حيث تشتمل آلية السوق المقترحة على نظام دفع افتراضي، لتتناسب الميزانيات عكسيًا مع الثروة الاقتصادية للدولة، وتُظهر النتائج أنه، باتّباع هذه الآلية، تسود استراتيجية الإبلاغ الصادق عن الوفيات ومدى الجاهزية، مما يضمن توزيعًا عادلًا وفعالًا للقاحات.

ويُمثل هذا البحث خطوةً مهمةً نحو عالم لا يقتصر فيه النضال ضد الأوبئة على الفعالية فحسب، بل يضع الإنصاف والعدالة على رأس الأولويات، وإنّ أية نقلةٍ يتم تحقيقها في مجال توزيع اللقاحات على مستوى العالم ليست مجرد إنجاز نظري، بل تحمل أيضًا في طياتها إمكانية إعادة تشكيل الاستراتيجيات الصحية العالمية على أرض الواقع، ويقدّم هذا البحث، على وجه الخصوص، نهجًا ملموسًا لآلية توزيع أكثر إنصافًا للقاحات، مما يدل على أن السعي لتحقيق الفعالية في مكافحة الأوبئة يمكن أن يسير جنبًا إلى جنب مع السعي لتحقيق الإنصاف والعدالة.

وقادت هذا المشروع الدكتورة لولوة الفقيه، الأستاذة المشاركة في كلية العلوم والهندسة، بالتعاون مع مجموعة من الزملاء في جامعة حمد بن خليفة، فضلًا عن خبير في الصحة العامة من شركة رازيس للذكاء الاصطناعي في بريطانيا، وورد البحث ضمن دراسة جديدة نُشرت في مجلة (PLOS Global Public Health)، ويمكن الاطّلاع عليها مجانًا هنا.