كلية العلوم والهندسة | مكانة قطر في اقتصاد الهيدروجين العالمي

تأليف: داوود حجيج ويوسف بشر ومعمر كوتش

الهيئة:  كلية العلوم والهندسة
قطر: مستقبل واعد في اقتصاد الهيدروجين العالمي

إنّ المطالبات العالمية بالحدّ من انبعاثات غازات الدفيئة والانتقال إلى حلول الطاقة النظيفة آخذةٌ في التزايد، حيث يُشير تقريرٌ صدر حديثًا عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ إلى أنّ المسار الحالي للانبعاثات يهدد بمخاطر مناخية وشيكة ذات آثار طويلة المدى على الطبيعة والبشرية، وهذه المخاطر تُلزم مورّدي الطاقة بضرورة إعادة تقييم استراتيجياتهم وإجراء تحول جوهري لمواكبة التحديات الراهنة.

وعلى الرغم من أن الغاز الطبيعي كان يُنظر إليه طويلاً من قبل خبراء الطاقة والحكومات كمصدر طاقة نظيفة مقارنةً بالنفط والفحم، إلا أن هناك مزيدًا من الدعوات للتحوّل العالمي نحو مصادر طاقة خالية من الانبعاثات، وهنا ظهر الهيدروجين كبديلٍ واعد، فهو يُعتبر ناقل طاقة متعدد الاستخدامات، كما يدعم تخزين ونقل الطاقة المتجددة، ويمثّل مسارًا محتملًا لمصدّري الغاز الطبيعي، ومن خلال اتباع أساليب مبتكرة مثل الإصلاح البخاري للميثان، بالاقتران بتقنيات عزل الكربون وتكسير الميثان، يمكن للهيدروجين أن يسد الفجوة بين اقتصاد الغاز الطبيعي اليوم والمستقبل المستدام.

ولا يمكن إنكار وجود انتعاش عالمي في الاستثمار بقطاع الهيدروجين على مدى السنوات القليلة الماضية، حيث كشفت العديد من الدول عن استراتيجيات مرتبطة بالهيدروجين وتطوير البنية التحتية وروابط النقل ذات الصلة، وبالنسبة لدول مثل قطر، فإن اتخاذ قرار استراتيجي في هذا المشهد سريع التطور سيكون أمرًا حاسمًا لازدهار مستقبل البلاد.

وقد حققت دولة قطر بدايةً واعدةً في جهودها لتصبح محرِّكًا رئيسيًا لاقتصاد الهيدروجين الناشئ، ففي عام 2022، أعلنت "قطر للطاقة" عن خطط لإنشاء أكبر مصنع للأمونيا الزرقاء في العالم، فالأمونيا يمكن أن تستخدم كناقل للهيدروجين، كما يمكن تخزينها كسائل في ظروف أكثر اعتدالًا نسبيًا مقارنة بالهيدروجين، مما يقلل من التعقيدات والتكاليف المرتبطة بالمعالجة والتخزين، وبالتالي يُصبح النقل ممكنًا لمسافات طويلة، وفي الوقت نفسه، أظهرت الدوحة التزامها بالاعتماد على الطاقة الشمسية من خلال تشغيل محطة الخرسعة، وهي الأولى من نوعها في البلاد، كما تخطط دولة قطر لإضافة محطتين إضافيتين للطاقة الشمسية بقدرة إجمالية تبلغ 880 ميجاوات في العاميْن المقبلين، مما قد يفتح الأبواب أمام إنتاج الهيدروجين الأخضر والأمونيا.

وكذلك تسعى سلطنة عُمان والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة إلى المضي قدمًا في جهودها للحصول على موطئ قدم في أسواق الهيدروجين، فعلى سبيل المثال، تعمل المملكة العربية السعودية على تشييد مصنع للهيدروجين الأخضر بتكلفة 8.4 مليار دولار في مشروع نيوم، والذي يُتوقع أن يكون الأكبر من نوعه في العالم، كما تهدف استراتيجية أبوظبي الوطنية للهيدروجين إلى زيادة إنتاج الهيدروجين المحلي بحلول عام 2031 مع التركيز على نمو السوق والتعاون الإقليمي، أما سلطنة عُمان فقد وضعت أهدافًا إنتاجية طَموحة وخططًا لتصدير الهيدروجين على شكل أمونيا بشكلٍ أساسي، وتعكس كلتا المبادرتين الثروات المتجددة الوفيرة في البلاد إلى جانب موقعها الاستراتيجي المتميز.

وللهيدروجين والأمونيا مجموعة واسعة من الاستخدامات المُحتملة، حيث يُمكن استخدام الهيدروجين مثلًا في خلايا وقود المركبات، وخاصة في وسائل النقل الثقيلة مثل الحافلات والشاحنات، وللهيدروجين استخدامات في القطاع الصناعي أيضًا، لاسيما في عمليات صناعة الصلب والتكرير، كما يُمكن أن يُستخدم بمثابة حل لتخزين الطاقة المتجددة مما يساعد على تحقيق التوازن بين العرض والطلب على الشبكات الكهربائية. أما الأمونيا، بوصفها بديلًا أنظف، فيمكن استخدامها كوقود مباشر في محطات الطاقة وخلايا الوقود ومُحركات السفن، كذلك يمكن للقطاع الزراعي الاستفادة من الأمونيا الخضراء باعتبارها مكونًا رئيسيًا في الأسمدة، وبالتالي دعم الممارسات الزراعية المستدامة.

إن موارد الغاز الطبيعي الهائلة في قطر، إلى جانب علاقاتها الدولية القوية وبنيتها التحتية المتطورة، تمنحها ميزة في إنتاج الهيدروجين الأزرق، ومع ذلك، يتعيّن على الدولة معالجة بعض الجوانب التي تحتاج لمزيدٍ من التحسين، فعلى سبيل المثال، ينبغي على الدوحة أن تُدرك وجود إمكانيات لإنتاج الهيدروجين والأمونيا بنوعيْهما الأخضر والفيروزي، حيث سيساعد ذلك قطر على تنويع وتحسين إمكاناتها في مجال الطاقة المتجددة، وتعزيز التقدم التكنولوجي، وتقليل اعتمادها تدريجيًا على الغاز الطبيعي المُسال.

يُذكر أنّ الدول المستورِدة للطاقة مثل اليابان وكوريا الجنوبية وأوروبا تتجه الآن أيضًا نحو مصادر طاقة أنظف، مما يجعلها من المشترين المحتملين لصادرات قطر من الهيدروجين، واستجابةً لذلك، ينبغي على الدوحة تنويع مخزونها من الطاقة، ووضع استراتيجية مخصصة للهيدروجين والأمونيا، لضمان استمرارية الإيرادات والحفاظ على مكانتها كمزود موثوق للطاقة، ومن شأن هذا النهج أن يكفل نموًا اقتصاديًا مستمرًا وأن يعزز مكانة قطر في أسواق الطاقة العالمية المستقبلية، وللحفاظ على هذه المكانة يجب على قطر أيضًا أن تضع أهدافًا وطنية يتخللها تحديد دور الهيدروجين في تنويع الصادرات وإزالة الكربون، فوجود لوائح تنظيمية سيسهّل توجيه المستثمرين، والتعاون مع قادة التكنولوجيا في العالم سيمكّن من تعزيز إنتاج الهيدروجين. 

ومع تصاعد الاهتمام العالمي بالحلول الخضراء، يبرز الهيدروجين الأخضر المستمد من مصادر الطاقة المتجددة كخيار لا يمكن تجاهله، إذ يشكّل الاستثمار في إنتاج الهيدروجين الأخضر وتوسيع نطاق استخدامه إضافةً مهمة لاستراتيجيات الهيدروجين الأزرق والفيروزي، مما يلبي احتياجات الأسواق التي تهتم بسلاسل الطاقة المتجددة، ويمكن أن يكون للشراكات الدولية في مجالات البحث والتطوير، وخاصة في مجال التحليل الكهربائي واحتجاز الكربون، دورٌ فعّال في هذا السياق، كذلك يمكن أن يُسهم دمج إنتاج الهيدروجين مع الصناعات المحلية، مثل إنتاج الصلب والكيمياويات، وصناعات أخرى، في فتح آفاقٍ لأسواق جديدة، وإن تعزيز العلاقات مع شركاء دوليين يمكن أن يضمن استمرار الطلب على الهيدروجين والحصول على عقود طويلة الأجل، ومن شأن ذلك أن يرسخ موقع قطر كمزود عالمي للهيدروجين.

*الدكتور يوسف بشر أستاذ مشارك في كلية العلوم والهندسة بجامعة حمد بن خليفة.

*داوود حجيج طالب دكتوراه في كلية العلوم والهندسة بجامعة حمد بن خليفة.

*الدكتور معمر كوتش أستاذ مؤسس لقسم التنمية المستدامة في كلية العلوم والهندسة بجامعة حمد بن خليفة.

*جميع الأفكار والآراء الواردة في هذا المقال تعبّر عن مؤلفيها ولا تعكس بالضرورة موقف الجامعة الرسمي.