عادة ما تركز المناقشات حول سبل دمج الأفراد من ذوي الإعاقة في مجالات الرعاية الصحية، والتعليم، والمنصات الاجتماعية، ولكن؛ وبصفتي أمًّا مسلمة لطفلين من ذوي الإعاقة وأعيش بدولة إسلامية، دائمًا ما أتساءل عن الوقت الذي ستتطرق فيه هذه المناقشات والحوارات إلى جعل الأماكن الدينية، التي تشكل جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، أكثر شمولًا.

ويمثل انقضاء شهر رمضان المبارك وحلول شهر أبريل، الذي يتزامن مع شهر التوعية باضطراب التوحد – أو كما يطلق عليه أيضًا شهر قبول التوحد – في دولة قطر، فرصة سانحة لتسليط الضوء على الثغرات المنسية، مثل: مسألة الشمول الديني للأطفال من ذوي التنوع العصبي، ويشير هذا المصطلح للأفراد الذين تختلف طريقة عمل أدمغتهم عن أقرانهم، مما يؤدي إلى تباين كبير في معالجتهم الحسية، وسلوكياتهم، وقدراتهم الإدراكية مقارنة بأقرانهم الطبيعيين؛ نظرًا لكون التنوع العصبي طيف واسع للغاية ويشمل الأطفال من ذوي التوحد كما هو الحال مع ابني الأصغر. سينصب تركيزي في هذا المقال بشكل خاص على ذوي الإعاقة الذهنية كونهم يواجهون تحديات معينة ومحددة للغاية، وإن روح هذا المقال، رغم عموميته، تنطبق على جميع الفئات العمرية، والإعاقات، وحتى الأديان.
ومن خلال تجربتي كأم لطفلين من ذوي الإعاقة، كثيرًا ما أفكر في تحيّزاتي الشخصية، خصوصًا تجاه الأفراد من ذوي الإعاقة الذهنية، فإذا كنتُ أنا كأم قد واجهت العديد من الصعوبات في تقدير ما يمكن لطفلي استيعابه أو إدراكه، فلا عجب من أن يعزز أفراد المجتمع هذه الوصمة. أذكر أنني دخلت غرفة ابنتي ذات الثمانية أعوام، والمصابة بمرض وراثي يؤثر على قدراتها الجسدية والذهنية فوجدتها تتمتم تحت الغطاء، منغمسة في التفكير وفرك يديها؛ سألتها ممازحة: "سُهى، مع من تتحدثين؟" فردّت: "أنا أتحدث مع الله"، عندها، أدركت كم كنتُ متسرعة في الحكم على مدى قدرتها على إدراك مفهوم الله؛ لم يكن لي الحق في الحكم عليها، فكيف للمجتمع حق تحديد ما إذا كان أطفالنا "مؤهلين" لدخول الأماكن الدينية والتنمية الروحانية أم لا؟
كما إن البرامج المخصصة للأطفال من ذوي الاحتياجات المختلفة سواء لتعليمهم عن الإسلام أو لتعزيز صلتهم بالخالق وفقًا لقدراتهم واستيعابهم ضئيلة جدًا ومحدودة، لذا، دائمًا ما تسعى العائلة لإيجاد معلمين مؤهلين حرصًا على تعليم أطفالهم من ذوي الإعاقة تدبر القرآن الكريم واستيعاب المفاهيم الدينية. وإنه لمن الصعب العثور على تجمعات ترحب بالأطفال الذين لا يتحكمون في أنفسهم ومشاعرهم عبر سلوكيات مثل التجول في الأرجاء، أو إصدار أصوات، أو القيام بحركات نمطية، ويزداد معدل إقصاء هؤلاء الأطفال كلما تقدموا بالعمر، فهنالك العديد من الأسر التي تفضل إبقاء أطفالهم بالمنزل، ليس لعدم قدرتهم على المشاركة في الشعائر الدينية، بل تفاديًا لنظرات مجتمعٍ متحيزٍ يفضل عقد تجمعات رتيبة وموحدة لا تراعي التنوع الإنساني.
إن تربية الأطفال من ذوي الإعاقة رحلة مكثفة وشاقة، وتتضاعف تحدياتها لتشمل التحديات الكبيرة التي عادة ما يواجهها أيًا من الوالدين؛ فهذه العائلات تقضي ساعات في تلقي العلاجات، والدعم السريري، والبحث المستمر عن الحلول، فضلًا عن احتياجهم لمزيد من الوقت لتقبل إعاقة أطفالهم، لذا فعندما يواجهون أي صعوبة في الذهاب إلى أماكن العبادة يصبح من السهل على الآباء والأمهات حذف ذلك من قائمة أولوياتهم. كما أن معظم الأطفال من ذوي الإعاقة لا يلتحقون بالمدارس النظامية ويلتحقون بمراكز تأهيلية غير أكاديمية، الأمر الذي يتسبب في حصولهم على الحد الأدنى من التعليم الديني، ومن الغريب أن المجتمع، رغم تقصيره في توفير الدعم، لا يتردد في إلقاء اللوم على العائلات نتيجة ضعف الوازع الديني لأطفالهم.
فما المطلوب لخلق أماكن إسلامية أكثر شمولًا؟ إليكم بعض الأفكار أو قائمة الأمنيات المبدئية:
أولًا، إن تعزيز فهم العائلات والمجتمع للأمر يمثل نقطة انطلاق حقيقية ومهمة، إذ أن إجراء تقييم شامل لاحتياجات ذوي التنوع العصبي سيساعد في الكشف عن العوائق التي تحول دون نموهم الروحاني. كما ينبغي تدريب الأئمة، والعاملين في إدارات المساجد على فهم الإعاقات وطرق التفاعل مع هذه الفئة بشكل فعّال ومناسب، فضلًا عن تقديم خدمات دينية مخصصة تراعي احتياجاتهم، ومن المهم أيضًا تأهيل علماء الشريعة والجمع بين المعرفة الإسلامية والاحتواء الإنساني لتقديم فتاوى تراعي الواقع الحقيقي للأفراد من ذوي الإعاقة.
ثانيًا، توفير تعليم ديني ميسّر وسهل أمرٌ ضروريٌ لا غنى عنه، فالعائلات والمجتمعات عليها أن تدرك أن الأطفال من ذوي الإعاقة الذهنية لهم حق مماثل في تكوين وبناء هويتهم الدينية، ويمكن تحقيق ذلك عن طريق تأهيل المعلمين وتطويرهم مهنيًا، سواء في المدارس أو المراكز بحيث يتم تكييف المناهج، إضافة إلى تبني أساليب تعليمية شاملة ومبدعة. كما يجب على المعلمين أن يكونوا قادرين على بناء علاقات وثيقة وداعمة مع طلابهم حتى تصبح العقيدة مصدرًا للقبول، والطمأنينة، والاحترام.
ثالثًا، إن تنظيم حوارات مجتمعية دينية يمكن أن يساعد في كسر الصورة النمطية عن الإعاقة والتخلص من الوصمة المجتمعية المصاحبة لها، إذ يتعين على الشيوخ وكبار رجال الدين أن يترأسوا هذه المناقشات، والتحدث بإيجابية في خطبهم عن تعزيز ودمج الأشخاص من ذوي التنوع العصبي. كما يمكن أن تساند الاستشارات الدينية العائلات في تقبل التشخيص وتخطي التحديات، ودعم الأفراد من ذوي الإعاقة في رحلتهم الروحانية الخاصة.
إن قبول المجتمع ومناصرته للأطفال من ذوي الإعاقة أمر له قدرة هائلة على كسر دائرة التهميش؛ علاوة على دوره في تحويل الأماكن الدينية إلى منصات تسرد قصص إيجابية وملهمة عن الإعاقة، ولا يعني ذلك إنكار التحديات المصاحبة لها، ولا تصوير مسارات الإعاقة كمجرد ألم وإقصاء؛ فهناك أيضًا الكثير من اللحظات المليئة بالسرور والبركة، ويجب علينا أن نكرّم جهود الأفراد الذين يسعون لجعل الدين أمرًا ميسرًا ومتاحًا للجميع وأولئك الذين يتمسكون بعلاقتهم مع الله رغم الإعاقة.
إن الرسالة الأساسية لهذا المقال هي: يجب ألا تُغلق أبواب الإيمان، ويقع على عاتقنا مسؤولية جماعية لإبقائها مفتوحة على مصراعيها، فالأماكن الروحانية، قبل كل شيء، ينبغي أن تكون موطنًا للانتماء، والاحترام، والتواصل لجميع أفراد المجتمع، بمن فيهم الأطفال من ذوي الإعاقة.