التطعيم أمر حيوي ليس فقط لصحة الفرد ولكن أيضًا للوقاية من الأوبئة
- الصفحة الرئيسة
- غرفة الأخبار
- التطعيم أمر حيوي ليس فقط لصحة الفرد ولكن أيضًا للوقاية من الأوبئة
الدكتور كبير بيسواس
يمر العالم بظروف غير مسبوقة منذ عدة أشهر بسبب جائحة كوفيد-19. وبحسب الإحصائيات الحالية، أصيب أكثر من 111 مليون شخص بالفيروس، وهو ما أدى إلى وفاة ما يقرب من 2.5 مليون شخص حتى الآن. ويكمن السبب الرئيسي وراء التأثير المدمر لهذه الجائحة في المعدل المرتفع للإصابة بفيروس SARS-CoV-2 الذي يحدث بفعل استغلاله الانتهازي لمستقبلات الإنزيم المحول للأنجيوتنسين 2 الذي يتجلى على نطاق واسع في الخلايا المضيفة البشرية وبقاء الفيروس لمدة طويلة عند انتشاره في البيئة المحيطة.
وفي الواقع، هناك عدد كبير من المرضى الذين لا تظهر عليهم أعراض شائعة للإصابة بالفيروس، وبالتالي لا تُكتشف إصابتهم به، ولكنهم يستمرون في نشر الفيروس في البيئة التي يتواجدون فيها، وهو ما يفاقم من حجم المشكلة. والشيء المهم هو أن قدرة الفيروس على التطور من خلال التغييرات التي طرأت على جينومه أدت إلى وقوع عدد أكبر من الإصابات بشكلٍ ملحوظٍ خلال الموجة الثانية من العدوى. وعلى سبيل المثال، يبدو أن تحورات فيروس SARS-CoV-2 التي حدثت مؤخرًا في المملكة المتحدة وجنوب أفريقيا تمتلك قدرة أكبر على الإصابة بالعدوى بسبب التغيرات في بروتين السنبلة الذي يستخدمه الفيروس للارتباط بمستقبلات الإنزيم البشري المحول للأنجيوتنسين 2.
استراتيجيات علاج فيروس كوفيد-19 والوقاية منه
نظرًا للتأثير المدمر للجائحة، كان هناك سباق لتطوير استراتيجيات مبتكرة لعلاج هذا المرض والوقاية منه أيضًا. ومن الوسائل التي يُوصى بها للوقاية من الفيروس الحفاظ على التباعد الاجتماعي، وارتداء الكمامات، وغسل اليدين بالصابون باستمرار، ولكن المفتاح الحقيقي للوقاية هو تطوير لقاح فعال. وتتميز اللقاحات بأنها مستحضرات بيولوجية تمكن أجسامنا من تطوير مناعة مكتسبة نشطة ضد عاملٍ معدٍ محدد بما في ذلك الفيروسات. وعادة ما تحتوي اللقاحات إما على عاملٍ معدٍ كاملٍ ولكن ضعيف أو جزء منه يحفز جهاز المناعة في أجسامنا للتعرف على العامل باعتباره يمثل تهديدًا وإنتاج أجسام مضادة ضده.
وتتعرف الأجسام المضادة التي تنتجها خلايانا المناعية على العامل المعدي وتعمل على تحييده في حالة إصابتنا بالعدوى في المستقبل. وعادةً ما يستغرق تطوير واختبار اللقاحات عدة سنوات قبل نشرها للاستخدام الفعلي. ولكن نظرًا للحاجة الملحة للقاحات الوقاية من فيروس كوفيد-19، تعاونت العديد من شركات الرعاية الصحية مع جامعات ومراكز بحثية رائدة في عدد من البلدان لإنتاج هذه اللقاحات في وقت قياسي بلغ حوالي عام واحد فقط.
وتشتمل قائمة اللقاحات المتوفرة حاليًا على اللقاحات الفيروسية المصممة تقليديًا والقائمة على النواقل مثل لقاح أسترا زينيكا الذي طورته جامعة أكسفورد؛ ولقاح جاماليا؛ ولقاح جونسون آند جونسون الذي جرى الإعلان عنه مؤخرًا، بالإضافة إلى اللقاحات الجديدة القائمة على الحمض النووي الريبي مثل اللقاحات التي طورتها شركات مودرنا، وفايزر، وبيونتيك. وأظهر اللقاحان الأخيران أنه يمكن توظيف عقود من البحوث الأساسية بنجاح في تطوير استراتيجيات طبية حيوية جديدة وفعالة للتعامل مع التهديدات الصحية المستجدة باستمرار.
اعتماد اللقاحات
من المهم أن نلاحظ أنه قبل اعتماد اللقاح وطرحه للتطعيم على نطاق واسع، يخضع اللقاح المرشح الذي جرى تطويره في مختبر الأبحاث لتجارب سريرية مكثفة لتحديد سلامته وفعاليته، مثل أي عقار دوائي. وتشتمل هذه الاختبارات على الفحوصات ما قبل السريرية حيث تُجرى المزيد من الأبحاث باستخدام تقنية زراعة الخلايا أو نماذج حيوانية لتحديد سلامة اللقاحات وتقييم قدراتها المناعية، أي قدرة اللقاح على استنباط استجابة مناعية.
تؤدي الاختبارات قبل السريرية الناجحة إلى تجربة المرحلة الأولى حيث يُقدَّم اللقاح لعدد صغير، أقل من 100 فرد، من البشر الأصحاء. وتتضمن تجارب المرحلة الثانية اختبار اللقاح على عدة مئات من الأفراد بطريقة عشوائية ومنضبطة جيدًا تشمل مجموعة الدواء الوهمي. وتُجرى تجارب المرحلة الثالثة على عدد أكبر بكثير من السكان، يتراوح عددهم ما بين آلاف إلى عشرات الآلاف من الأفراد بطريقة عشوائية ومزدوجة التعمية، وتتضمن تحديد سلامة وفعالية اللقاح المرشح للاختبار قياسًا بالدواء الوهمي. وقد أظهرت اللقاحات المتوفرة حاليًا فعالية تتراوح ما بين (60 إلى 95٪) في مقاومة فيروس SARS-CoV-2 مع مشكلات أمان منخفضة بشكل عام.
هل سيفقد الناس الثقة في اللقاحات؟
بالإضافة إلى المخاوف المعتادة المتعلقة بالسلامة والفعالية، من بين مصادر القلق الرئيسية عند التفكير في طرح اللقاح احتمال فقدان الأفراد للثقة في اللقاحات بشكل عام، وهو ما قد يؤدي إلى عدم تلقي الأفراد للتطعيم ضد فيروس SARS-CoV-2. وقد يضيف ذلك إلى التحيز الموجود بالفعل ضد اللقاحات في بعض أنحاء العالم. وربما ينبع ذلك من حقيقة أنه رغم أن الفيروس شديد العدوى، إلا أن المرض لا يكون مميتًا في العادة، حيث يصل معدل الوفيات من جراء الإصابة به إلى أقل من 1٪، وبالتالي، قد لا يشعر البعض بالحاجة إلى التطعيم. بالإضافة إلى ذلك، قد يمتنع البعض عن تلقي اللقاحات بسبب معتقدات شخصية.
وعلى أي حال، من المرجح أن يؤدي الشك فيما يتعلق بسلامة وفعالية اللقاح إلى زيادة عدد الأشخاص الذين لا يرغبون في التطعيم. وقد يكون لذلك عواقب وخيمة، نظرًا لأن نجاحنا في تحقيق الأمان من الفيروس يتطلب منا جميعًا تلقي اللقاح، وإلا فإن الأفراد الذين يمتنعون عن التطعيم قد يكونون بمثابة خزان للفيروس، وقد يتسبب الفيروس في إصابة المزيد من الأشخاص بالعدوى. ويبقى هذا الاحتمال قائمًا حتى لدى الأفراد الذين خضعوا للتطعيم، نظرًا لعدم وجود أي بيانات حول الفعالية طويلة المدى للقاحات المتاحة حاليًا.
فما هو السبيل للمضي قدمًا؟
يتعين على جميع الشركات المطورة للقاحات إتاحة بيانات التجارب السريرية الخاصة بهم للعموم من أجل إجراء تقييم مستقل لاستعادة الثقة في اللقاح. وفي خطوة واعدة ومهمة، نُشرت مؤخرًا بيانات المرحلة الأولى من التجارب السريرية لعقار كوفاكسين في مجلة لانست للأمراض المعدية المُحَّكَمة. وتُظهر هذه البيانات تحقيق نتائج مقبولة في ما يتعلق بالأمان واستجابات مناعية معززة.
وتجدر الإشارة إلى أن هذا اللقاح جرى تحضيره باستخدام جزيئات فيروسية كاملة مُعَطَلة. ومن المتوقع أن يوفر اللقاح حماية أفضل ضد الفيروس المتحور، الذي يمثل مصدر قلق كبير ليس فقط في البلدان التي تعاني من ارتفاع معدل دخول المرضى المصابين بفيروس كوفيد-19 للمستشفيات، ولكن في جميع أنحاء العالم نظرًا لارتفاع معدل انتشار الفيروس.
والأهم من ذلك هو أننا بحاجة إلى إدراك فائدة لقاحات كوفيد-19. ويعتمد هذا على الأمر بيانات التجارب السريرية الحالية التي تشير إلى توفر معدلات سلامة عالية بشكل استثنائي وفعالية عالية بشكل ملحوظ لهذه اللقاحات. وبالتالي، ينخفض خطر تعرض الأفراد الذين تلقوا التطعيم لأعراض شديدة أو الوفاة بفعل فيروس كوفيد-19 إلى حدٍ كبيرٍ. وعلى هذا النحو، تدعم الأدلة الحالية خيار تلقي التطعيم باعتباره الوسيلة الأكثر أمانًا، ليس فقط لصحة الفرد ولكن أيضًا في الجهود الرامية لمكافحة الجائحة الحالية مع استمرار ظهور أنواع متحورة من فيروس SARS-CoV-2، وهو ما قد يشكل تهديدًا صحيًا أكبر.
يشغل الدكتور كبير بيسواس منصب أستاذ مساعد بكلية العلوم الصحية والحيوية في جامعة حمد بن خليفة.
ملاحظة:
هذا المقال مقدَّم من إدارة الاتصال بجامعة حمد بن خليفة نيابةً عن الكاتب. والآراء الواردة في هذا المقال تعكس وجهة نظر الكاتب، ولا تعكس بالضرورة الموقف الرسمي للجامعة.