دراسات جديدة تكشف عن رؤى واعدة في فهم مرض الخرف وسُبل علاجه
- الصفحة الرئيسة
- غرفة الأخبار
- دراسات جديدة تكشف عن رؤى واعدة في فهم مرض الخرف وسُبل علاجه
ما زال الخرف يشكّل لغزًا وتحديًا مستمرًا أمام جهود الباحثين الطبيين الذي يسعون لفَهم منشأ هذا الاضطراب العصبي المعقد، الذي يصيب الملايين حول العالم، وبحث أسباب تفاقمه؛ لذا يسعى فريقٌ من الباحثين، بجهودٍ مشتركة بين الدكتورعمر الأجنف من معهد قطر لبحوث الطب الحيوي، والدكتورةهنادي الحمد من مؤسسة حمد الطبية، والدكتوررياس مالك من كلية طب وايل كورنيل - قطر إلى الكشف عن الآليات المعقدة لهذا الاضطراب المدمّر من خلال دراستيْن ابتكاريتيْن أُجريتا باستخدام عينات من سكان قطر.
وعلى الرغم من أن الأسباب الدقيقة للخرف لا تزال غامضة، إلا أنّ هناك المزيد من الأدلة التي تشير إلى أن وجود مشاكل في الجهاز المناعي قد يُسهم في تطوّر هذه الحالة. وفي الدراسة الأولى، أجرى الباحثون تحليلًا شاملًا استهدفوا فيه 1600 من الأجسام المضادة المناعية الذاتية في عينات أفراد ذوي وظائف إدراكية طبيعية، وأفراد ذوي ضعف إدراكي بسيط، وآخرين يعانون من الخرف بشكل كامل.
وأظهرت النتائج عددًا من الأجسام المضادة الذاتية التي طرأ عليها تغيير ملحوظ في دم مرضى الخرف مقارنةً بالأفراد ذوي الوظائف الإدراكية الطبيعية وذوي الضعف الإدراكي البسيط، حيث كشفت الدراسة عن خمسة أجسام مضادة ذاتية بدت غير طبيعية في كلٍ من حالات الخرف والضعف الإدراكي البسيط، وهي (anti-CAMK2A) و(CKS1B) و(ETS2) و(MAP4) و(NUDT2)، وكان من الملفت للانتباه أن مستويات بعض الأجسام المضادة الذاتية، مثل (anti-ODF3) و(E6) و(S100P) و(ARHGDIG)، أظهرت علاقةً عكسيةً مع مستويات أداء الوظائف الإدراكية.
بالإضافة إلى ذلك، سلطت الدراسة الضوء على مسارات التنكس العصبي التي تتأثر بالأجسام المضادة الذاتية، والتي تشمل مجالات مثل إشارات التغذية العصبية، وتوجيه المحاور العصبية، والمشابك العصبية الكولينية، وموت الخلايا المبرمج، والعمليات الأيضية.
وتُشير هذه النتائج بشكلٍ أساسي إلى التأثير المحتمل للمناعة الذاتية على تطوّر مرض الخرف، مما قد يمهّد الطريق للتوصّل لأساليب علاجية جديدة. و في حين أن إجراء المزيد من الأبحاث أمر ضروري للتحقق من صحة هذه الاكتشافات، إلا أنها تفتح باب الأمل لفهم أعمق وإدارة أفضل للخرف.
أماالدراسة الثانية فتسعى للعثور على مؤشرات حيوية تشخيصية للخرف باستخدام التحليل البروتيني، ويتيح هذا النهج للعلماء استكشاف البنية المعقدة للبروتينات الموجودة في البلازما، بهدف تحديد المؤشرات الحيوية الدقيقة التي يمكن أن تساعد في الكشف والتدخل المبكريْن.
وقد قام فريق البحث بإجراء مُقايسة مناعية عالية الإنتاجية لفحص 1090 بروتينًا في عيّنات المشاركين الذين تم تصنيفهم إلى ثلاث مجموعات: أفراد ذوي وظائف إدراكية طبيعية، وأفراد ذوي ضعف إدراكي بسيط، وأفراد مصابين بالخرف. وكشف الباحثون عن مجموعة من 17 مؤشرًا حيويًا تشخيصيًا ثابتًا أظهروا دقة ملحوظة في تمييز حالات الخرف عن المجموعات الأخرى.
وأظهرت الدراسة أيضًا أنّ العديد من البروتينات، مثل (NEFL) و(IL17D) و(WNT9A) و(PGF)، أظهروا علاقاتٍ سلبية مع مستويات القدرات الإدراكية، مما يشير إلى احتمالية تورطهم في شدة تطوّر المرض.
علم الوجود الجيني والدراسات المنصبة على تحليل مسارات الجينات أثبتت الاستجابة المناعية وإصابة الأوعية الدموية وتنظيم النسيج البيني خارج الخلية دورٌ في تطوّر الخرف، مما أتاح نظرةً أكثر شمولًا للآليات الجزيئية الكامنة وراءه.
ومن خلال دمج دراسات المحتوى البروتيني فائقة الإنتاجية والتعلم الآلي المتقدم، نجح الباحثون في تطوير بصمة بروتينية قادرة على التمييز ليس فقط بين عينات الأفراد المصابين بالخرف والأفراد ذوي الوظائف الإدراكية الطبيعية، بل أيضًا تمييزها عن حالات الضعف الإدراكي البسيط. ويفتح هذا الإنجاز الباب لتسريع عمليات التشخيص المبكر والتوصل لفهم أعمق للعمليات المسببة للخرف.
وعلى الرغم من أن هذه الاكتشافات حققت بالتأكيد إنجازًا محوريًا، إلا أن الرحلة لم تنته بعد؛ إذ لا زالت هناك حاجة للتحقق من صحة هذه المؤشرات الحيوية في مجموعاتٍ أكبر عددًا، ولا سيما في الدراسات طويلة المدى، لتأكيد فعالية هذا النهج في تشخيص مرض الخرف والتنبؤ به.
من الجدير ذكره أن هذه البحوث، التي تشكّل إحدى ثمرات التعاون المستمر بين الأطباء والعلماء في جامعة حمد بن خليفة ومؤسسة حمد الطبية وكلية طب وايل كورنيل-قطر، قد ساهمت بشكل كبير في تعزيز الجهود الرامية إلى إزاحة الغموض الذي يحيط بمرض الخرف، ومع استمرار هذا الجهد المشترك في تقصّي الأسباب والتحقق من النتائج، تزداد احتمالات التوصّل للكشف المبكر وتطوير علاجات مبتكرة لمرض الخرف، مما يقدّم أملًا متجددًا بالشفاء لأولئك الذين يعانون من هذا المرض.