دراسة جديدة تحرز تقدمًا في فهم سرطان الثدي من منظورٍ جيني في العالم العربي

بقلم/ الدكتور نهاد العاجز

الهيئة:  معهد قطر لبحوث الطب الحيوي
سرطان الثدي من منظورٍ جيني في العالم العربي

يُعد سرطان الثدي مشكلةً صحيةً عالمية، إذ يُعتبر سببًا رئيسيًا للوفيات بين النساء حول العالم، ونظرا للطبيعة المعقدة لهذا المرض، فقد دفعت الباحثين إلى بذل جهود حثيثة بهدف التوصل إلى مزيدٍ من الفهم لآلية المرض واكتشاف استراتيجياتٍ علاجيةٍ فعالة، ويناقش هذا المقال إحدى الدراسات الحديثة التي ركزت على حالات سرطان الثدي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وساهمت في تقديم رؤىً جديدة بخصوص هذا المرض في هذه المنطقة الجغرافية.

لاشك أن سرطان الثدي يُعد مرضًا معقدًا ومتعدد الأوجه ويختلف من شخص لآخر، ويُصنف العلماء سرطان الثدي استنادًا إلى علامات معينة تظهر على خلايا الورم، وتتضمن مستقبلات الهرمونات (HR)، بما في ذلك مستقبل الإستروجين (ER)، ومستقبل البروجستيرون (PR)، بالإضافة إلى مستقبل عامل النمو البشري الثاني (HER2)، وهو بروتين يلعب دورًا حاسمًا في عملية نمو وانقسام الخلايا. ويُعرف سرطان الثدي الإيجابي لمستقبلات الهرمون (+HR) مثلًا بوجود إما مستقبلات الإستروجين (ER) أو مستقبلات البروجستيرون (PR) على سطح الخلايا السرطانية، وهو أكثر أنواع سرطان الثدي شيوعًا وأكثرهم قابلية للتنبؤ، أما سرطان الثدي الإيجابي لمستقبل عامل النمو البشري الثاني (+HER2) فيُمثّل الأورام التي تُظهِر مستوىً مرتفعًا من مستقبل عامل النمو البشري الثاني، وعلى الرغم من أن هذا النوع من سرطان الثدي قد يكون أكثر شراسة، إلا أنه من الممكن التغلُب عليه بعلاجات تستهدف هذه الخلايا السرطانية. من ناحية أخرى، يفتقر سرطان الثدي ثلاثي السلبية (TNBC) إلى مستقبلات هرمون الإستروجين والبروجستيرون وعامل النمو البشري الثاني، مما يجعل من الصعب علاجه بسبب مقاومته للعلاجات الهرمونية أو العقاقير التي تستهدف عامل النمو البشري الثاني (HER2).

وقد شهدت منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا زيادةً في حالات سرطان الثدي خلال الأعوام الماضية، وهو ما قد يعزى إلى زيادة الوعي وبالتالي زيادة حالات التشخيص مع ارتفاع أعداد المُقبلين على إجراء الفحوصات او لأسباب اخرى، وغالبًا ما تختلف طبيعة المرض في هذه المنطقة عن تلك التي تظهر في أجزاء أخرى من العالم؛ فقد أشارت أبحاث سابقة إلى أنّ مرضى سرطان الثدي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا غالبًا ما يتم تشخيصهم في سن أصغر وفي مراحل أكثر تقدمًا. ولفهم هذه الاختلافات بشكل أعمق، أجرى باحثون في دولة قطر دراسة قائمة على فحص المعلومات الجينية (microRNAs وmRNAs) المستمدة من عينات أنسجة سرطانية من 96 مريضٍ بسرطان الثدي تم جمعها بالتعاون مع مؤسسة حمد الطبية.

وأظهرت الدراسة تشابهًا وثيقا بين أورام (+HR) و(+HR+HER2)، بالإضافة إلى تشابهٍ كبير بين أورام (+HER2) و(TNBC). إنّ فهم أوجه التشابه هذه  يبشر بتطوير استراتيجيات العلاج المستهدفة، كما أشارت الدراسة إلى أنّ الملامح الجزيئية لسرطان الثدي أظهرت اختلافاتٍ وفقًا لعوامل مثل الأنماط الجزيئية الفرعية، ودرجة الورم، وعمر المريض، والانتماء العرقي (الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مقابل غيرها من المناطق)، وهذا يؤكد حقيقة أنّ سرطان الثدي مرض  غير متجانس مما يؤكد ضرورة استعمال العلاج الشخصي للتعامل مع هذا المرض. 

كما ركّزت الدراسة أيضًا على شبكات معقدة من (microRNAs)، وهي جزيئات صغيرة تلعب دورًا في التحكم فى التعبير الجيني، حيث تبيّن أن هذه الجزيئات تؤدي دورًا محوريًا في تشكيل المكونات الجينية لسرطان الثدي والتحكّم في خصائصه المرضية المختلفة.

وقام الباحثون بدمج ما توصلوا إليه من اكتشافاتٍ جديدة مع ما توفر لهم من معلوماتٍ قبلًا لتحديد أهدافٍ جديدة للعلاج، مما أدى الى تحديد العديد من الأهداف الجديدة والتي قد تكون أكثر كفاءة في علاج المرض. وتتم حاليًا دراسة بعض هذه الأهداف في ضوء أنواعٍ مختلفة من السرطان، ومع ذلك، يتعيّن إجراء المزيد من البحوث لتطوير أساليب واستراتيجيات علاجية مصممة خصيصًا لهذه الأهداف. كما كشفت الدراسة أيضًا عن بصمات جينية قادرة على التنبؤ باحتمالية الإصابة بالمرض مجددًا بعد العلاج، استنادًا إلى بيانات جمعتها في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

وفي تعليقه على هذه الدراسة التي يترأس مجموعة البحث فيها، قال الدكتور نهاد العاجز، باحث رئيسي في مركز البحوث التطبيقية للسرطان والمناعة بمعهد قطر لبحوث الطب الحيوي: "تقدم هذه الدراسة رؤىً قيمة حول سرطان الثدي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فهي لا تعزز فقط من فهمنا للجوانب المميِّزة للمرض، بل تلقي الضوء أيضًا على مسارات جديدة للبحث والتدخل العلاجي، ومن خلال التركيز على الأسس الجينية لسرطان الثدي في هذه المنطقة، يطمح الباحثون إلى تحسين ظروف رعاية المرضى ونتائج العلاج، ليس فقط في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ولكن على الصعيد العالمي كذلك".

وختامًا، لا يزال سرطان الثدي تحديًا صحيًا قائمًا، ولكن هذه الدراسة وأمثالها تُمثل قفزة كبيرة في الجهود المبذولة لاكتشاف طرقٍ علاجية أكثر تطورًا وفعالية.