يُركز شعار الشهر العالمي للتوعية بالتوحد هذا العام "الانتقال من البقاء إلى الازدهار" على رفع مستوى الوعي باضطرابات التوحد وتعزيز قبول وتقدير الأفراد ذوي الاضطرابات العصبية، مثل اضطراب طيف التوحد، واضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة، وصعوبات التعلم (عسر القراءة)، ومتلازمة توريت، وغيرها.
ويستلزم "الانتقال من البقاء إلى الازدهار" التحول من مجرد الإقرار بالشيء إلى المساهمة الفعالة فيه، ويمثل ذلك تطورًا جوهريًا في نظرة المجتمع للأفراد المصابين بالتوحد والتفاعل الناتج عن ذلك؛ لذا تشدد الفرق البحثية في معهد قطر لبحوث الطب الحيوي، التابع لجامعة حمد بن خليفة، على الحاجة إلى رسم وتنفيذ سياسات تركز على الدمج وتيسير الوصول وتوفير الدعم المخصص للأطفال المصابين بالتوحد في دولة قطر، ويبدأ هذا المشروع طويل المدى بحملات لتعزيز الوعي، وكسر حواجز الجهل، وتمهيد الطريق لفهم التجارب المختلفة والمتنوعة التي يمر بها المصابون بالتوحد، ولتحقيق ذلك، يؤمن معهد قطر لبحوث الطب الحيوي أنه لا بد من تصحيح (دحض) الخرافات الشائعة حول اضطراب التوحد واستبدالها بحقائق مُثبتة، كما هو موضح في الجدول (1).
ويأتي القبول كخطوةٍ ثانية، ويتحقق من خلال تعزيز الدمج وتنفيذ سياسات تعليم شاملة تضمن للأطفال المصابين بالتوحد إمكانية الالتحاق بالمدارس العامة مع توفير خدمات الدعم اللازمة، ويشمل ذلك تدريب المعلمين والموظفين لتوعيتهم بالتوحد وإعداد خطط تعليمية موجّهة، علمًا أنّ الباحثين في مركز بحوث الاضطرابات العصبية، التابع لمعهد قطر لبحوث الطب الحيوي، يشاركون بدورهم في العديد من الأبحاث التي تهدف إلى تسهيل الفحص والتشخيص المبكر للتوحد، والتي يُتوقع أن يتبعها سياسات تضمن الوصول الفوري إلى خدمات التدخل، مثل علاج النطق والعلاج الوظيفي والعلاج السلوكي.
وفي ضوء ذلك، تجدر الإشارة إلى أن مركز بحوث الاضطرابات العصبية هو واحد من أولى المؤسسات في قطر وفي المنطقة التي تتبع نهجًا شاملاً لتعزيز الانتقال من البحوث الأكاديمية التقليدية إلى البحوث التطبيقية، ويتضمن هذا النهج الفريد من نوعه نمذجة الخلايا الجذعية في المختبر لتوليد خلايا عصبية من أفراد مصابين بالتوحد، ومن ثم دراسة تطور الاضطراب واستكشاف الأدوية العلاجية الممكنة، وإلى جانب هذه الجهود البحثية، لا بد من وضع سياسات لتقديم خدمات الدعم لعائلات الأطفال المصابين بالتوحد، بما في ذلك الرعاية الاستشفائية والاستشارة ومجموعات الدعم، وهذا أمرٌ بالغ الأهمية لعائلات الأفراد المصابين بالتوحد الذين قد يشعرون أحيانًا بالعزلة ويكافحون وحدهم مع أطفالهم.
وأخيرًا، يأتي التقدير، بما يتضمنه من إدراك واحتفاء بنقاط القوة والاختلافات الفريدة التي تُميّز الأفراد من ذوي الاضطرابات العصبية المتعددة، ويمكن أن يتجلى ذلك مثلًا في بذل الجهود لخلق فرص العمل وإعداد برامج التدريب المهني للأفراد المصابين بالتوحد، كما أن تشجيع الدمج المجتمعي أمر ضروري إن لم يكن إلزاميًا، ويتمثل ذلك في إعداد البرامج الترفيهية، وتسهيل الوصول إلى الأماكن العامة، ونشر حملات التوعية للحد من الوصم المجتمعي، ومن خلال تبني هذه المبادئ، فإننا لا نُمكّن الأفراد من الازدهار فحسب، بل نخلق أيضًا مجتمعًا أكثر تعاطفًا وشمولاً تزدهر فيه إمكانات الجميع بلا استثناء.
الجدول (1): خرافات وحقائق عن التوحد
خرافة |
حقيقة |
يفتقر الأفراد المصابون بالتوحد للتعاطف. |
قد يواجه الأفراد المصابون بالتوحد تحدياتٍ في فهم التعاطف والتعبير عنه بالطرق التقليدية، ولكن التعاطف في حالة اضطراب التوحد يكون مختلفًا وليس غائبًا، حيث يُظهر هؤلاء الأفراد التعاطف غالبًا من خلال أفعال أو تعبيرات قد تكون أقل شيوعًا أو لا يمكن التعرف عليها بسهولة من قبل الأفراد ذوي التطور العصبي الطبيعي. |
يمكن التغلب على التوحد أو علاجه. |
التوحد هو حالة اضطراب في النمو العصبي وتستمر مدى الحياة ويختلف أفرادها عن الغير في التواصل الاجتماعي والسلوك والمعالجة الحسية، وقد يتعلم هؤلاء الأفراد ويطورون مهارات جديدة مع مرور الوقت، لكن التوحد ليس شيئًا يمكن علاجه، إلا أنّ إتاحة التدخل المبكر والعلاج وخدمات الدعم قد تؤدي إلى تحسين النتائج وتعزيز جودة الحياة بشكل ملحوظ. |
التوحد نتيجة لسوء التربية أو الإهمال. |
التوحد حالة معقدة تتأثر بشكل كبير بالعوامل الوراثية، ويتسبب بها مزيجٌ من العوامل الوراثية والبيئية، ولا تتسبب ممارسات التربية في الإصابة بالتوحد، إلّا أن تهيئة البيئات الداعمة والحاضنة يمكن أن تؤثر إيجابًا على رفاهية وتطور الأفراد المصابين بالتوحد. |
الأفراد المصابون بالتوحد معاقون ذهنيًا. |
قد يعاني بعض الأفراد المصابين بالتوحد من إعاقات ذهنية مصاحبة، بينما يتمتع البعض الآخر بمستوى ذكاء متوسط أو فوق المتوسط، ويعتبر التوحد اضطراب طيفي، لأنه يشمل مجموعة واسعة من القدرات والتحديات، فقد يتفوق بعض الأفراد في الرياضيات أو العلوم أو الفنون، بينما يواجهون صعوبات في مجالات أخرى، مثل التفاعل أو التواصل الاجتماعي. |
التوحد حالة تصيب الذكور في المقام الأول. |
تاريخيًا، كانت معايير تشخيص التوحد تستند إلى سلوك الذكور، الأمر الذي ساهم في الكثير من التضليل والتشخيص الناقص أو الخاطئ للإناث وغيرهم من الفئات المهمشة، لذا تؤكد الأبحاث الناشئة على أهمية استكشاف اضطراب التوحد في مختلف الفئات السكانية. |
لا يستطيع الأفراد المصابون بالتوحد بناء علاقات ذات معنى. |
على الرغم من أن صعوبات التواصل الاجتماعي قد تشكّل تحديات أمام بناء العلاقات والحفاظ عليها، إلا أن الأفراد المصابين بالتوحد يمكنهم تطوير روابط وعلاقات قوية مع أفراد الأسرة والأصدقاء والأقران، ويمكن للبيئات الداعمة، إلى جانب التدريب على المهارات الاجتماعية وغيرها من أوجه التدخل الموجّهة، أن تعزز التفاعل الاجتماعي وتنمّي مهارات بناء العلاقات. |
التوحد هو مجرد اضطراب في التواصل الاجتماعي. |
تعد صعوبات التواصل والتفاعل الاجتماعي من السمات الأساسية للتوحد، ولكن هذا الاضطراب يشمل أيضًا مجموعة واسعة من الخصائص، مثل حساسيات المعالجة الحسية والسلوكيات التكرارية والاهتمامات المحدودة، وبالإضافة إلى ذلك، قد يعاني العديد من الأفراد من حالات مصاحبة، مثل اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة، والقلق، والصرع، والتي تزيد من تعقيد هذا الاضطراب. |
لا تظهر أعراض التوحد إلا في مرحلة الطفولة المبكرة. |
عادةً ما يتم تشخيص التوحد في مرحلة الطفولة المبكرة، ولكن قد تصبح العلامات والأعراض أكثر وضوحًا مع نمو الطفل ومواجهته لظروف اجتماعية وأكاديمية جديدة، وقد يتم تشخيص بعض الأفراد في مرحلة لاحقة من حياتهم، خاصة أولئك الذين يعانون من أشكال أخف من التوحد أو الذين ينتمون إلى مجموعات لم يتم تشخيصها بشكل كافٍ. |
يتمتع الأفراد المصابون بالتوحد بقدرات استثنائية. |
قد يُظهر بعض الأفراد المصابين بالتوحد مهارات أو مواهب استثنائية في مجالات معينة، مثل الموسيقى أو الفن أو الرياضيات، ولكن ليس كل المصابين بالتوحد من النوابغ؛ فالقدرات الاستثنائية نادرة وتتواجد بنسبة ضئيلة، إلا أنه من الضروري التعرف على نقاط القوة والقدرات المتنوعة للأفراد المصابين بالتوحد والاحتفاء بها، سواء كانت لديهم مواهب استثنائية أم لا. |
المساهمون: الدكتورة سلام سلوم اصفار والدكتورة ورد أحمد نورالدّين، باحثتيْن ما بعد الدكتوراه في معهد قطر لبحوث الطب الحيوي.
مراجعة النسخة العربية: رويدة زياد طه (باحث مشارك أول في معهد قطر لبحوث الطب الحيوي)
المحررون: الدكتور برسانا كولاتكار، عالم أول، والدكتور ضياء الإسلام، باحث ما بعد الدكتوراه، في معهد قطر لبحوث الطب الحيوي.