كيف تساهم التدخلات الغذائية في علاج السكري من النوع الثاني؟

بينما تُعد التدخلات الغذائية أمرًا أساسيًا لإدارة مرض السكري من النوع الثاني والشفاء منه، يواجه الكثيرون صعوبة في الالتزام على المدى الطويل. في هذا المقال يوضح الدكتور عبد الإله الرضواني من مركز قطر لبحوث الطب الحيوي الأسباب والطرق التي يمكن من خلالها لمقدمي الرعاية الصحية والباحثين دعم المرضى خلال فترة تعافيهم.

الهيئة:  معهد قطر لبحوث الطب الحيوي
الدكتور عبد الإله الرضواني في المختبر

عتبر الزيادة المستمرة في معدل انتشار مرض السكري من النوع الثاني (T2DM) مصدر قلق صحي عالمي، حيث تؤدي العوامل المتعلقة بنمط الحياة، وبالأخص النظام الغذائي، دورًا أساسيًا في تطوره وإدارته، وحاليًا يعاني من هذا المرض حوالي 537 مليون شخص بالغ حول العالم. ووفقًا للاتحاد الدولي للسكري، من المتوقع أن يرتفع هذا العدد إلى 643 مليون بحلول عام 2030 و783 مليون بحلول عام 2045.

مرض السكري من النوع الثاني هو اضطراب مزمن يتّسم بمقاومة الأنسولين ونقص نسبي في إفرازه، مما يؤدي إلى فرط سكر الدم (أي ارتفاع نسبة السكر في الدم) الذي يشيع لدى الأشخاص المصابين بأنواع مختلفة من مرض السكري، ويؤدي فرط سكر الدم إلى تلف الأعصاب والأوعية الدموية والأنسجة والأعضاء إذا تُرك دون علاج. وغالبًا ما يتسبب فرط سكر الدم المزمن في حدوث مضاعفات خطيرة لا يمكن علاجها، مما يقلل من متوسط العمر ويؤثر سلبًا على جودة الحياة.

ومع ذلك، تشير الأدلة إلى أن التدخلات الغذائية لا يمكنها أن تساعد في السيطرة على مرض السكري من النوع الثاني وحسب، بل قد تؤدي أيضًا إلى التعافي منه. لكن المشكلة تكمن في أن الوصول إلى الوزن المطلوب والحفاظ عليه يعد تحديًا صعبًا، حيث يتطلب كل من الالتزام بتغييرات طويلة الأمد في النظام الغذائي وإدارة الوزن جهدًا كبيرًا ومستمرًا.

وقد جرى استكشاف العديد من الأنظمة الغذائية لتحقيق الشفاء من مرض السكري من النوع الثاني، خاصة لدى المرضى الذين تم تشخيصهم منذ أقل من 6 سنوات. وتشمل هذه الأنظمة الحميات منخفضة الطاقة التي تركز على فقدان الوزن السريع لتحسين حساسية الأنسولين والسيطرة على مستويات السكر في الدم، بالإضافة إلى الأغذية المخصصة التي تأخذ بعين الاعتبار استجابة كل فرد لمستويات السكر في الدم، والأنواع الفرعية لمرض السكري، والعوامل المتعلقة بنمط الحياة. ومن الناحية الإيجابية، أشارت دراسة منهجية أُجريت عام 2023 إلى أن التغييرات الغذائية وحدها يمكن أن تحسن بشكل كبير من الصحة الأيضية العامة للمرضى.

تستند هذه النتائج إلى سلسلة من الدراسات التي تؤكد فعالية البرامج المنظمة لإدارة الوزن، والتغييرات الجذرية في نمط الحياة، وغيرها من المبادرات. وتشمل هذه الدراسات تجربة (DIADEM-I) في قطر، والتي أثبتت أن التعديل في نمط الحياة يمكن أن يكون فعالًا للغاية في تحقيق التعافي، خاصةً لدى من تم تشخيصهم خلال السنوات الثلاث الماضية. كما أظهرت دراسة (Look AHEAD) لعام 2013، والتي ركزت على فقدان الوزن وتحسين صحة القلب والأوعية الدموية، أن فقدان الوزن بشكل كبير ومستدام قد يسهم في التعافي الجزئي من مرض السكري من النوع الثاني.

وعلى الرغم من أن تعديل النظام الغذائي ونمط الحياة يبشر بإمكانية التعافي من السكري، إلا أن الوصول إلى الشفاء التام يظل أمرًا نادرًا ويصعب الحفاظ عليه، فكما تُظهر معظم الدراسات، تنخفض نسب التعافي مع مرور الوقت بسبب استعادة الوزن المفقود. ويشير هذا التراجع إلى أن العديد من مرضى السكري من النوع الثاني يجدون الأنظمة الغذائية المخصصة لإنقاص الوزن صارمة للغاية، مما يجعل من الصعب الالتزام بها على المدى الطويل. كما تتفاوت استجابة الأفراد للأنظمة الغذائية نتيجة لعوامل متعددة، مثل الجينات وتكوين الميكروبيوتا ونمط الحياة. وكذلك تُضاف عوامل مثل التفاوت في الوصول إلى الأطعمة الصحية والتعليم وموارد الرعاية الصحية إلى التحديات التي تعيق فعالية إجراءات التدخل الغذائية في علاج مرض السكري من النوع الثاني.

ومن هنا، يؤدي أطباء الأسرة ومقدمو الرعاية الصحية دورًا أساسيًا في مساعدة مرضى السكري من النوع الثاني في رحلتهم نحو التعافي. وتشمل التدابير العملية توفير الموارد التي تزيد من إمكانيات التعافي من خلال تغيير النظام الغذائي والمتابعة المستمرة للتقدم الذي يحرزه المرضى في برامج إنقاص الوزن. وينبغي أن يتاح للمرضى كذلك الوصول إلى أخصائي التغذية والمعالجين السلوكيين، بهدف التغلب على العوائق التي تحول دون الالتزام بنظام غذائي صحي ووضع خطط غذائية مخصصة وتقديم الدعم اللازم بشكل مستمر.

ويمكن أن يؤثر توفر الدعم الاجتماعي بشكل كبير على مدى التزام المرضى بالأنظمة الغذائية الصحية، وبالتالي تحقيق نتائج إيجابية تدوم طويلًا. وللوصول إلى هذه الغاية، يمكن أن يمنح الانضمام إلى مجموعات الدعم شعورًا بالانتماء والمسؤولية ويشجع على الالتزام من خلال مشاركة الأهداف والتحديات والنجاحات، كما تساعد الأجواء الجماعية أيضًا في تشجيع الأفراد على ممارسة الرياضة والتأمل وغيرها من العادات التي تعزز أنماط الحياة الصحية.

وعلى الباحثين من جهتهم تكثيف الاهتمام بدراسة الآثار طويلة الأمد للتدخلات الغذائية على التعافي من مرض السكري من النوع الثاني، بما في ذلك خطر الانتكاس والحاجة إلى استراتيجيات مستدامة للمحافظة على النتائج المرغوبة. ومن الضروري كذلك إجراء المزيد من الاستكشاف للتوصيات الغذائية المخصصة التي تستند إلى العوامل الجينية والتمثيل الغذائي ونمط الحياة. كما ينبغي النظر في مدى فعالية الجمع بين التدخلات الغذائية والتغييرات الأخرى التي تطرأ على نمط الحياة، مثل النشاط البدني ومعالجة التوتر. ويجب أن يُستكمل ذلك بتقييم الجدوى الاقتصادية للتدخلات الغذائية ومدى الاستفادة منها مقابل التكلفة.

ينبغي لنتائج هذه الدراسات والمبادرات ذات الصلة أن تسهم في توجيه سياسات الرعاية الصحية التي تتصدى للتحديات المتعلقة بالالتزام والفروقات الفردية وإمكانية الوصول واستدامة التدخلات العلاجية لمرض السكري من النوع الثاني. وبالتطلع للمستقبل، سيظل وجود المتخصصين في مختلف مجالات الرعاية الصحية أساسيًا في توجيه المرضى طوال فترة علاجهم، من خلال التثقيف والدعم والمتابعة، لمساعدتهم على تحقيق التعافي وإدامته. ومن خلال تضافر جهود المرضى ومقدمي الرعاية الصحية، يمكن للتدخلات الغذائية أن تقدم استراتيجية ناجعة للتحكم في مسار مرض السكري من النوع الثاني وتحسين حياة الملايين من المصابين.

** الدكتور عبد الإله الرضواني عالم أول في معهد قطر لبحوث الطب الحيوي التابع لجامعة حمد بن خليفة.

** تنشر إدارة الاتصال بجامعة حمد بن خليفة هذا المقال بالنيابة عن مؤلفه، والأفكار والآراء الواردة فيه تعبر عنه، ولا تعكس بالضرورة الموقف الرسمي للجامعة.