التميز السرطان والسكري وفيروس كوفيد-19: رؤية من معهد قطر لبحوث الطب الحيوي
الدكتور بول جي ثورنالي، والدكتورة جولي ديكوك، والدكتور نهاد العاجز، والدكتورة مريم المفتاح
برزت حالات الإصابة بمرض فيروس كورونا (كوفيد-19) على السطح خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالي، وشكلت تحديًا كبيرًا لخدمات الصحة العامة والرعاية الصحية. وتعتبر التدابير التي اتخذتها وزارة الصحة العامة للحفاظ على سلامة الناس في قطر مثالية وحظيت بالإشادة والثناء من منظمة الصحة العالمية. ونذكر أدناه سبب الحاجة إلى توفير رعاية إضافية للمرضى الذين يعانون من مشاكل صحية موجودة مسبقا، مثل مرض السكري والسرطان.
ما نعرفه عن مرض كوفيد-19
يحدث مرض كوفيد-19 بفعل الإصابة بفيروس SARS-CoV-2، وهو فيروس تاجي يحتوى على شريط واحد من الحمض النووي الريبي (RNA) فى جينوم الفيروس ملفوف في جسيم غشائي صغير. وعادةً ما يُستنشق الفيروس من قطرات السعال ويصل إلى سطح الخلايا المبطنة للممرات الهوائية الصغيرة للرئة. يقتحم الفيروس الخلايا الموجودة في الرئة ويُعيق عملها متفادياً خطوط دفاع المناعة الطبيعية في الجسم ليتهرب من مواجهتها بشكلٍ فعالٍ. ويتسبب الفيروس في حدوث التهابات ونوبات من الحمى والسعال الجاف في كثير من الأحيان. ويشكل تراجع الوظائف الطبيعية للرئة التهديد الرئيسي لصحة المريض، وهو ما يستدعي تلقي خدمات الرعاية الطبية في المستشفى في الحالات الشديدة.
كوفيد-19 والسكري
عندما يصاب مرضى السكري بعدوى فيروسية، قد يكون الأمر صعبًا لأنه يمكن أن يُحدث تغييرات في مستويات الجلوكوز في الدم ويؤثر على القدرة على التعامل مع المضاعفات المرتبطة بالمرض. ويتعرض جهاز المناعة للضعف عند الإصابة بمرض السكري، وهو ما يصعب من إمكانية مكافحة الفيروس ويتطلب فترة أطول للتعافي. وفي الواقع، تشير أحدث الأدلة إلى أن مرضى السكري ليس لديهم خطر متزايد للإصابة بمرض كوفيد-19 مقارنة بالأشخاص الذين لا يعانون من مرض السكرى.
ومع ذلك، إذا تعرض مرضى السكري للإصابة بمرض كوفيد-19، فإنهم يحتاجون إلى دعم مكثف في الوقت المناسب من فريق الرعاية الصحية المختص لمكافحة آثار الإصابة بالفيروس وتحقيق الشفاء الكامل. وأفضل شيء يمكن للمرء فعله هو اتباع إرشادات وزارة الصحة العامة حول كيفية تجنب الإصابة بالفيروس قدر الإمكان. وفي حال حدوث العدوى، قد يحتاج مرضى السكري إلى استشارة إضافية من فريق دعم الرعاية الصحية المختص (طبيب المجتمع والممرضين)، وزيادة الاهتمام بالحفاظ على المعدل السليم للسكر في الدم، وتناول السوائل، والحفاظ على درجة حرارة الجسم، وتلقي مزيدًا من الراحة للتعافي.
وهناك قلق من تزايد عدد المرضى الذين ألغوا زياراتهم الاعتيادية لعيادات مرض السكري خلال فترة انتشار هذه الجائحة. ويتعارض ذلك مع الطريقة التي يمكن بها لمرضى السكري إدارة التحديات التي قد يواجهونها بفعل احتمال تعرضهم للعدوى بشكل أفضل. ولهذا السبب، يشجع الأطباء المرضى على الحفاظ على المواعيد والاستشارات المنتظمة مع فريق دعم الرعاية الصحية الخاص بهم.
وغالبًا ما يُعالج المرضى المصابين بالنوع الأول والثاني من داء السكري بمثبطات الإنزيم المحول للأنجيوتنسين ومضادات مستقبلات الأنجيوتنسين 2 للتحكم في مستوى ضغط الدم والحفاظ على وظائف الكلى. وكثيرًا ما تتزايد إفرازات بروتين وثيق الصلة، وهو النوع الثاني من الإنزيمات المحولة للأنجيوتنسين في استجابة لتلك العلاجات الدوائية. ويقيد الفيروس التاجي حركة النوع الثاني من الإنزيمات المحولة للأنجيوتنسين ويخترق الخلايا. ولا يوجد دليل على أن مثبطات الإنزيم المحول للأنجيوتنسين والعلاج بالأدوية التي تعتمد على مضادات مستقبلات الأنجيوتنسين تزيد من خطر الإصابة بفيروس كوفيد-19 بالنسبة لمرضى السكري. وفي الواقع، عادةً ما تكون زيادة إفرازات النوع الثاني من الإنزيمات المحولة للأنجيوتنسين مفيدة لخفض ضغط الدم والحفاظ على وظائف الكلى كذلك.
ومع اتخاذ الاحتياطات الكافية، والانتباه المتزايد للسيطرة على معدل الجلوكوز، والسعي للحصول على دعم أخصائيي الرعاية الصحية المهنيين على النحو المطلوب، يمكن لمرضى السكري تجاوز هذه الأوقات العصيبة.
فيروس كوفيد-19 والسرطان
يعتبر مرضى السرطان من الفئات الأكثر عرضة لخطر الإصابة بأمراض شديدة بفعل عدوى فيروس كوفيد-19 نتيجةً لضعف جهازهم المناعي. ويتسبب الفيروس في حدوث عدوى فيروسية تؤثر في المقام الأول على الرئتين وغالباً ما يتخلص الجهاز المناعي من المرض لدى الأشخاص الأصحاء دون الحاجة إلى تدخل طبي. ويمثل جهاز المناعة لدينا آلية طبيعية قوية تحمي أجسامنا من المتطفلين الخارجيين مثل الفيروسات والبكتيريا، ويقوم جهاز المناعة بحماية منتظمة للقضاء على الخلايا غير الطبيعية. وتحدث تغيرات تلقائية في خلايانا بانتظام، وهو ما قد يؤدي إلى الإصابة بالسرطان. ومع ذلك، فإن جهاز المناعة الصحي قادر على اكتشاف الخلايا المتغيرة والقضاء عليها قبل ظهور الأورام.
وقد بات من المقبول الآن على نطاق واسع أن الأورام تستخدم استراتيجيات متعددة للهروب من كشف جهاز المناعة لها أو تثبيطها. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للعلاج الكيميائي والإشعاعي أن يعزز من ضعف الاستجابة المناعية لأن هذه العلاجات تؤثر على خلايا الجسم المختلفة، بما في ذلك الخلايا المناعية. ونتيجةً لضعف الاستجابة المناعية، من المرجح أن يواجه مرضى السرطان صعوبة أكبر في مواجهة الفيروس، وهم معرضون لخطر الإصابة بأعراض أكثر خطورة قد تكون قاتلة في نهاية المطاف. وفي الواقع، أبرزت البيانات الأخيرة التي نشرتها البعثة المشتركة بين منظمة الصحة العالمية والصين بشأن فيروس كوفيد-19 حدوث أعلى معدل للوفاة لدى المرضى الذين تزيد أعمارهم عن 80 عامًا. ومن وجهة النظر المتعلقة بالأمراض، جاء معدل الوفاة من جراء الإصابة بمرض كوفيد-19 لدى مرضى السرطان في المرتبة الخامسة بعد أمراض القلب والأوعية الدموية، والسكري، وارتفاع ضغط الدم، وأمراض الجهاز التنفسي المزمنة.
وفي جميع أنحاء العالم، بذل المجتمع العلمي مجهودًا كبيرًا على مدى العقود الماضية للتوصل إلى رؤية ثاقبة حول كيفية عمل الجهاز المناعي لدى مرضى السرطان. ونحن في معهد قطر لبحوث الطب الحيوي، التابع لجامعة حمد بن خليفة، نسعى إلى فهم الآليات الجزيئية للسرطان بشكل أفضل مع التركيز بشكل خاص على المرضى في قطر والمنطقة على نطاقٍ أوسع. وسوف يساعدنا ذلك في التعرف على التغيرات التي تحدث في الاستجابة المناعية للمرضى، واستكشاف طرق لتصحيح التغيرات التي يكون لها تأثير سلبي على قدرة الجسم على مكافحة السرطان.
واليوم، يواجه مقدمو الرعاية الصحية أيضًا مهمةً صعبةً بالنظر إلى المخاطر المحتملة لإمكانية تعرض المرضى للإصابة بعدوى فيروس كوفيد-19 بالإضافة إلى الورم نفسه عند تحديد الاحتياجات الطبية لكل مريض على حدة. ولحسن الحظ، يمكن لمرضى السرطان وأفراد عائلاتهم الوقاية من التعرض للفيروس ومضاعفاته المحتملة من خلال الالتزام بالإرشادات الدولية حول ما يجب القيام به للحفاظ على سلامتهم.
التكاتف في مواجهة فيروس كوفيد-19
وأخيرًا، وحَّد مجتمع الرعاية الصحية والبحث العلمي في جميع أنحاء العالم صفوفهم وقطعوا خطوات كبيرة على طريق فهم فيروس كوفيد-19، وتطوير أدوية ولقاح لمواجهة الفيروس. ويساهم التنفيذ العالمي لتدابير الصحة والسلامة الوقائية، إلى جانب الجهود الكبرى المبذولة في مجال العلوم الصحية والحيوية، في ظهور نظرة متفائلة بأنه يمكن السيطرة على هذه الجائحة، والتوصل إلى وسائل لعلاج المرض في أقرب وقتٍ ممكن.
وعلى مقربة من الوطن، يخطط فريق من الباحثين في معهد قطر لبحوث الطب الحيوي للتعاون مع مختلف الجهات المعنية لإجراء مشاريع بحثية تركز على مرض كوفيد-19. بالإضافة إلى ذلك، سينشر هذا الفريق عددًا من المنشورات العلمية حول نفس الموضوع في المستقبل القريب.
وقد زود المعهد مؤسسة حمد الطبية كذلك بروبوت متطور من طراز هاميلتون يسرع عملية استخراج الحمض النووي الريبي من الفيروس، وهو ما وفر فرصةً أكبر لتحليل المزيد من العينات، مما سيؤثر بدوره على سرعة تشخيص الحالات المصابة بفيروس كورونا وعلاجها.
ويعكف المعهد كذلك على تطوير طريقة مبتكرة لتشخيص فيروس كورونا المستجد لإتاحتها لمؤسسة حمد الطبية كخطة احتياطية في حالة الحاجة.
وبالإضافة إلى ما سبق، زوّد المعهد مؤسسة حمد الطبية أيضًا بقائمة من الباحثين ذوي الخبرات اللازمة لدعم العمل في مختبرات التشخيص والعمل التطوعي. وأخيرًا، يعمل عدد من باحثي المعهد حاليًا على إنتاج تقارير منتظمة لتعريف المجتمع بأحدث المعلومات، والحد من انتشار أي معلومات خاطئة أو غير معتمدة حول فيروس كورونا.