لماذا يُحرم الفلسطينيون من حق اللجوء مرتين؟!

بعد مرور ثلاثة أشهر على وقف إطلاق النار، تسلط بيان خالد، زميل الأبحاث في كلية الدراسات الإسلامية، الضوء على محنة اللاجئين الذين فقدوا منازلهم ليس لمرةٍ واحدةٍ بل مرتين

الهيئة:  كلية الدراسات الإسلامية
لماذا يُحرم الفلسطينيون من حق اللجوء مرتين؟!

يُطلق مصطلح "اللاجئين المزدوجين" على الأشخاص الذين عانوا من النزوح القسري خلال حياتهم مرتين، أي مرة من أوطانهم الأصلية، ومرة أخرى من البلد المضيف. وفي هذه الحالة، فإن اللاجئين الفلسطينيين السوريين المزدوجين هم الأشخاص الذين نزحوا من فلسطين إلى سوريا بسبب الصراع في فلسطين ثم أجبروا مجددًا على الفرار من سوريا بسبب الحرب المتواصلة في ذلك البلد.

الفرار من منطقتي حرب

بعد بدء النكبة الفلسطينية عام 1948، أُجبر العديد من الفلسطينيين على الفرار من أراضيهم وانتهى الأمر بعدد كبير منهم إلى الفرار لدولة سوريا. ووفقًا للبيانات الصادرة عن وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، يُعدُ الرقم مذهلاً، حيث أُجبر 750,000 لاجئ فلسطيني على الفرار من ديارهم في فلسطين، مع اضطرار حوالي 560,000 لاجئ فلسطيني إلى العيش في سوريا قبل اندلاع الحرب الأهلية، وبقاء أكثر من 430,000 لاجئ فلسطيني في سوريا اليوم. ويوجد ما يصل إلى 5 ملايين لاجئ فلسطيني في العالم، 95٪ منهم بحاجة إلى شكل من أشكال المساعدة الإنسانية.

ومثل غيرهم من اللاجئين المزدوجين، أمضى الأشخاص الذين فروا من فلسطين وطلبوا اللجوء في سوريا حياتهم وهم يحملون وثائق سفر سورية باعتبارها شكلاً من أشكال الهوية. ومع ذلك، أدت الحرب الأهلية التي اندلعت في سوريا عام 2011 إلى نزوح جزء كبير من اللاجئين الفلسطينيين داخليًا. واضطر كثيرون آخرون إلى الفرار من البلاد تمامًا. وبحسب البيانات الصادرة عن وكالة الأونروا، فقد تعرض أكثر من نصف اللاجئين الفلسطينيين في البلاد للنزوح مرة واحدة على الأقل.

وقد واجه العديد من الفلسطينيين الذين حاولوا الفرار من الاضطرابات السورية صعوبة أكبر بكثير في الخروج من سوريا مقارنة بالسكان السوريين. وكان هذا بلا شك مرتبطًا بوضعهم السابق كلاجئين.

الحاجة للمساعدات الإنسانية

ما زاد الطين بلة بالنسبة للفلسطينيين أن إدارة ترامب أوقفت تمويلها لوكالة الأونروا، التي دأبت على المساعدة في تعليم اللاجئين وجميع أبنائهم. وتعتمد الوكالة بشكل كبير على الولايات المتحدة، باعتبارها أكبر مانح منفرد لها، وتواجه حاليًا تحديات غير مسبوقة بسبب التخفيضات المالية وجائحة كوفيد-19.

واللاجئون الفلسطينيون بحاجة ماسة إلى المساعدة والإغاثة الإنسانية. ففي مقابلة مع قناة الجزيرة، قال السيد كريس جانيس، المتحدث باسم وكالة الأونروا، إن الفلسطينيين من بين أكثر المتضررين من الحرب الأهلية السورية. وذكر جانيس أنه قبل بدء الأزمة، كانت نسبة أعلى بكثير من اللاجئين تقع تحت خط الفقر مقارنة بالسكان السوريين. وفي الواقع، وقع 27٪ من اللاجئين الفلسطينيين تحت خط الفقر بمعدل دخل دولار واحد في اليوم. وقال: "بينما يظل اللاجئون الفلسطينيون محاصرين في صراع معقد ومميت بشكل متزايد، من المهم ألا ينسى العالم محنتهم"، مضيفًا أن "الحاجة الأكثر إلحاحًا للاجئين الفلسطينيين هي إنهاء الحرب في سوريا؛ والوقف الدائم وطويل الأمد للأعمال العدائية بشكل يمكّنهم من استعادة ما يشبه الملاذ الآمن الذي وفرته لهم سوريا منذ عام 1948."

اللاجئون المزدوجون في الخارج

لا يشعر الأشخاص الذين ينجحون في الهروب بالراحة حتى في هذه الحالة. ففي بعض البلدان، يستمر اللاجئون المزدوجون في مواجهة الصعوبات بمجرد وصولهم إلى بلد آمن. ويُحرم اللاجئون الفلسطينيون القادمون من سوريا من الحقوق الممنوحة للاجئين في الأردن ولبنان ومصر، ويمكن أن يتعرضوا للاعتقال أو الترحيل. أما بالنسبة لتركيا وأوروبا، فعلى الرغم من اتباعهما لمبدأ "عدم الإعادة القسرية"، الذي يضمن عدم إعادة اللاجئ قسريًا إلى بلده الأصلي عندما يكون هناك خطر محتمل يهدد حياتهم، يواجه الفلسطينيون ظروفًا قاسية ومخاطر مميتة، ويمكن أن تقل احتمالات منحهم حق اللجوء بالمقارنة مع نظرائهم السوريين.

ومع ذلك، يقر العديد من اللاجئين بأن أوروبا تبدو مكانًا أكثر أمانًا للاجئين الذين يسعون إلى الاستقرار. والأسباب التي يستندون عليها هي الرغبة الحقيقية والعملية المفصلة التي تسعى الحكومات الأوروبية من خلالها إلى قبول اللاجئين ودمجهم في مجتمعاتهم في نهاية المطاف.

الفرار إلى الحرية

هناك العديد من الطرق التي يحاول اللاجئون من خلالها الفرار للحصول على حريتهم. وأحيانًا ينجح اللاجئون في ذلك، وأحيانًا أخرى يخفقون للأسف. فقد فر جدي الفلسطيني سيرًا على الأقدام إلى لبنان حيث ولد والدي ونجح في ذلك. وبفضل الجهود التي بذلها لإيصال عائلته إلى بر الأمان، لا أزال أنا وأشقائي على قيد الحياة اليوم. وقد فر أبناء عمومتي من سوريا بنجاح عن طريق البحر. وتعامل أشخاص آخرون نعرفهم مع مهربين طلبوا منهم التخلص من جوازات سفرهم وهوياتهم. وكان عليهم أن يدفعوا مبالغ كبيرة كمقابل لهذه المساعدة على الفرار، ولكن لا يمكن للمرء تحديد ثمن للحرية.

وبشكلٍ مأساوي، كما رأينا في نشرات الأخبار، لا ينجو البعض من هذه الرحلة الصعبة، كما حدث في حالة آلان كردي الذي كان يبلغ من العمر ثلاث سنوات، والذي غرق في مياه البحر الأبيض المتوسط. لكن اللاجئين يخاطرون بحياتهم ويغادرون أوطانهم التي عرفوها منذ عقود للحصول على فرصة لعيش حياة أفضل بعيدًا عن الخطر. وحتى خطر الموت يستحق أن يترك المرء وراءه عالمًا غير آمن.

مسائل الهوية

بمجرد أن يصل هؤلاء اللاجئون أخيرًا إلى "وطنهم" الجديد، يجب أن يتعلموا التكيف مع ثقافة جديدة، وأشخاص جدد، ومحيط جديد، ونمط حياة جديد، حيث تتغير حياتهم إلى الأبد. وبالنسبة للبعض، تسبب هذه التجربة المؤلمة الكثير من الضرر حيث لا يمكنهم المضي قدمًا بسهولة. ومع ذلك، فإنها تتيح للبعض الآخر فرصةً لبدء حياة جديدة، وإيجاد طريقة للتميز والارتقاء في حياتهم.

وقد اضطر اللاجئون المزدوجون إلى تحمل الكثير من المصاعب لأنهم مروا بتجربة مروعة بتركهم لكل شيء وراءهم وفرارهم نحو المجهول، ليس لمرةٍ واحدةٍ، بل مرتين. فهل يصفون وطنهم بأنه الوطن الذي نشأوا فيه أم الذي تركوه قبل ذلك؟ في هذه الحالة، يصبح "الوطن" مفهومًا محيرًا تمامًا. وفي كثيرٍ من الأحيان، ينقل اللاجئون معارفهم وخبراتهم عن كلا المكانين الذّين يعتبرونهما "وطنًا" إلى أبنائهم.

وبالنسبة لمعظم اللاجئين، تنتقل الحكايات المتعلقة بماضيهم، والمكان الذي نشأوا فيه، ومنازلهم، وأصدقائهم، وطفولتهم، وكل شيء عرفوه، إلى أحفادهم وذرياتهم. وسيتأكد كل فلسطيني من حدوث ذلك، حتى لو اعتقد من سلبوا أرضنا أن "كبار السن سيموتون وينسى الصغار قضيتهم".

تشغل بيان خالد منصب زميل أبحاث بكلية الدراسات الإسلامية في جامعة حمد بن خليفة.

ملاحظة:
والآراء الواردة في هذا المقال تعكس وجهة نظر الكاتب، ولا تعكس بالضرورة الموقف الرسمي للجامعة.