الصفات القيادية في الداعية: رسولنا الكريم أنموذجًا
- الصفحة الرئيسة
- غرفة الأخبار
- الصفات القيادية في الداعية: رسولنا الكريم أنموذجًا
سلطان بن علي الجرادي*
مما يتطلبه الواقع المعاصر في العمل الدعوي وجود الداعية القائد الذي يمتلك عقلًا ذكيًّا، وقلبًا نقيًّا، وخطوةً صائبةً يقود بها الركب، فيهديه ويسدده وينميه ويرشده، ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم مثالاً كاملاً يُحتذى به في جميع المجالات، ومنها الدعوة والقيادة، فهو المعلم والمربِّي والناصح والداعي إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة على هدى وبصيرةٍ من ربِّه.
ولقد اتَّسمت حياتُه الدعويةُ بصفات قيادية ناجحة، استطاع من خلالها توحيد الصف، ولمَّ الشمل، وجمْعَ الكلمة، وإقامة الدولة التي بلغ صداها المشرق والمغرب. وكان لقيادته الحكيمة لأُمَّته، نجاحٌ باهرٌ، فقادها إلى ما فيه خيرها وصلاحها في الدنيا والآخرة. وكان وراء ذلك النجاح والتميُّز- بعد توفيق الله وعونه - صفات قيادية وشمائل وأخلاق كريمة أهَّلته لأن يكون مثالاً ونموذجًا كاملاً في القيادة الحكيمة الناجحة القادرة على السير بالأُمَّة إلى تحقيق الأهداف والغايات التي جاءت من أجلها رسالة الإسلام. وفيما يلي أهم الصفات القيادية المتمثلة في شخصية الداعية القدوة، والمعلم الأول محمد صلى الله عليه وسلم:
أولًا: العفو والتسامح
يحتاج القائد إلى هذه الصفة كي ينجح في قيادتِهِ بكسب ولاء وطاعة من يقودهم؛ قال تعالى: ﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ﴾ [آل عمران: 159]، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم قائدًا متسامحًا، يعفو عن المسيئين، ويلتمس لهم الأعذار، ويتجاوز عنهم، فشمل عفوه الأعداء فضلاً عن الأصدقاء.
ويتجلَّى عفوُه في أروع صورِهِ يوم فتح مكة حين دخلها فاتحًا منتصرًا والمشركون لا ملجأ لهم ولا مفرَّ، فتظهر مكارم أخلاقه، وطيب معدنه بقوله لهم كما قال يوسف لإخوته: ﴿لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ [يوسف: 92].
ثانيًا: الحزم في الأمور
على الرغم من سماحته صلى الله عليه وسلم وسهولته، فإنه كان حازمًا في اتِّخاذ الأمور، لا يتراجع في إصدار القرارات وتنفيذها حينما يستدعي الأمر ذلك، ومن ذلك: أمره بهدم مسجد الضرار الذي بناه المنافقون إرصادًا لمن يحارب الله ورسوله. ومن المواقف التي تبين حزمه أمره بقطع يد المرأة المخزومية التي سرقت، وعدم تراجُعه في تنفيذ الحدِّ عليها.
ثالثًا: أخذ الرأي والمشورة
من صفاته القيادية أنه كان كثيرًا ما يستشير أصحابه في الأمور المهمة، فيأخذ بالرأي السديد، والمنطق الرشيد فيما لا وحي فيه من الكتاب والسنة؛ تعويدًا لهم على التفكير بالمشاكل العامة، وحرصًا على تربيتهم على الشعور بالمسؤولية، ورغبة في تطبيق الأمر الإلهي بالشورى، وتعويد الأمة على ممارستها. ومن ذلك: مشورته لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما في أسرى بدر، وأخذه بمشورة سلمان الفارسي رضي الله عنه يوم الأحزاب بحفر الخندق، وبمشورة الحباب بن المنذر في بدر بالنزول في المكان المناسب.
رابعًا: تأليف القلوب وإزالة الشحناء من النفوس
القائد الناجح يحتاج إلى هذه الصفة لتوحيد الصف، وجمع الكلمة، وزيادة الأُلْفة والمحبَّة، وله صلى الله عليه وسلم العديد من المواقف في ذلك منها: ما قام به حين قدم المدينة في حدث المؤاخاة الشهير بين المهاجرين والأنصار، كما أن من سياسته الحكيمة أنه كان يستميل قلوب الناس الذين أسلموا حديثًا من أهل مكة بدفع الغنائم والأموال لهم تارة، وبالكلمة الطيبة وثنائه عليهم تارة أخرى، فكان يسلك هذا المسلك فيؤثِر حديثي العهد بالإسلام بجانب من المال، وقد كان يعطي أشراف قريش وغيرهم من المؤلَّفة قلوبهم؛ لتلافي أحقادهم، ولتحبيبهم إلى الإسلام؛ وذلك لأن الهدايا تجمع القلوب، وتُؤلِّف بينها.
خامسًا: توزيع المهام والأدوار
من صفات القائد الناجح أنه يُوظِّف المهمات والأدوار فيمن يقودهم كل حسب طاقته، وميوله، وكفاءته، فإن من الحقائق المتفق عليها في القيادة: أن معظم الناس لا ينالون النجاح إلا من خلال مساعدة الآخرين لهم.
وللنبي صلى الله عليه وسلم المثل الأسمى في العمل بهذه الصفة، فقد كان على معرفة تامَّة بقُدرات أصحابه، فيعلم ما يتناسب معهم، وما يميلون إليه، ومن ذلك إرساله بعضًا من أصحابه؛ ليكونوا سفراءَ خيرٍ ودُعاةً إلى الله تعالى؛ كمصعب بن عمير، ومعاذ بن جبل، وأبي موسى الأشعري، واختياره بعضًا آخر منهم لبعض مهماته من سفر وجهاد وتعليم وغيره. فتوزيع القائد مثل هذه الأدوار والوظائف فيمن يقودهم كلٌّ حسب قدرته وكفاءته يَخلُق مجتمعًا متكاملًا قويًّا متماسكًا يعجز الأعداء عن كسر شوكته.
سادسًا: الاعتناء بالرجال وتقديرهم
من الصفات القيادية الناجحة اعتناء القائد برجاله والاهتمام بهم وتقديره لهم، فقد كان صلى الله عليه وسلم مُحبًّا لأصحابه، معتنيًا بهم، مدافعًا عنهم، وصولًا لهم، رحيمًا بهم، ومن أمثله ذلك تبشيره لبعضهم بالجنة، ومواساته لهم، وتفقُّده إيَّاهم، وتعليمه لهم الآداب والأخلاق الحسنة.
أخيرًا: ترتيب الأولويات
من الصفات القيادية التي يحتاج إليها القائد الداعية فقه ترتيب الأولويَّات وتقديم الأهم فالأهم والمقصود به: وضع كل شيء في مرتبته بالعدل من الأحكام والقيم والأعمال، فيقدم الأول فالأول، فلا يقدم غير المهم على المهم، ولا المهم على الأهم، ولا المرجوح على الراجح؛ بل يقدم ما حقُّه التقديم، ويُؤخِّر ما حقُّه التأخير، ويضع كل شيء في موضعه بالقسطاس المستقيم، فتُقدم المصلحة العامة على الخاصة، ويُقدم دفع المفاسد على جلب المصالح، وتُقدم العقيدة والتوحيد على ما سواه. ففقه القائد لسياسة ترتيب الأولويَّات مع من يقودُهم في واقعه المُعايَش، ومع ما يعيشه من معطيات وأحداث له علاقة كبيرة بالنجاح والنصر والتمكين.
* طالب ماجستير بكلية الدراسات الإسلامية جامعة حمد بن خليفة.
ملاحظة:
هذا المقال مقدَّم من إدارة الاتصال بجامعة حمد بن خليفة نيابةً عن الكاتب. والآراء الواردة في هذا المقال تعكس وجهة نظر الكاتب، ولا تعكس بالضرورة الموقف الرسمي للجامعة.