الجفاف وتغير المناخ: هل تستطيع أوروبا تعلم دروس من الشرق الأوسط؟
الهيئة:  معهد قطر لبحوث البيئة والطاقة
يتوقع العلماء أن تصبح الأماكن الرطبة نسبيًا أكثر رطوبة، بينما ستصبح الأماكن الجافة نسبيًا في المناطق شبه الاستوائية أكثر جفافًا

الدكتورة جيني لولر والدكتور محمد رامي الفرا*

سجلت قارة أوروبا درجات حرارة قياسية خلال فصل الصيف الماضي. وفي منتصف شهر يوليو الماضي، صُدمنا عندما سجلت لندن درجات حرارة أعلى من درجات الحرارة المسجلة في الدوحة. فهل كنا نتوقع ارتفاع درجة الحرارة المسجلة في عاصمة أوروبية عن تلك المسجلة في واحدةً من أكثر المدن حرارة على وجه الأرض، في منتصف فصل الصيف؟ هذا أمر لا يمكن تصوره، بكل تأكيد.

ومع ذلك، كانت هناك تنبؤات بأن هذه الأنواع من التأثيرات الحرارية الشديدة ستصبح هي المعيار في غضون الخمسة عشر عامًا القادمة. فقد قدرت المجموعة الاستشارية لأزمة المناخ في المملكة المتحدة أنه حتى لو تحققت جميع التخفيضات الموعودة في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، فسوف تستمر مخاطر الطقس المتطرف، بما في ذلك الحرائق والجفاف والفيضانات المفاجئة، في الارتفاع بسرعة.

ويحدث الجفاف في إحدى المناطق نتيجةً لنقص هطول الأمطار على مدى فترة طويلة (موسم أو أكثر في العادة)، وهو ما يؤدي إلى حدوث نقص في المياه، وهو أحد المخاطر الرئيسية الناجمة عن تغير المناخ. وتعمل درجات الحرارة الأكثر دفئًا المرتبطة بتغير المناخ على تعزيز التبخر، مما يقلل من المياه السطحية ويجفف التربة والغطاء النباتي. ويؤثر تغير المناخ أيضًا على توقيت توافر المياه في مناطق مختلفة من العالم عبر تأثيره المتوقع على كميات وفترات هطول الأمطار والثلوج.

وتعتبر درجات الحرارة المرتفعة للغاية ونقص المياه حقيقة من حقائق الحياة في بعض بلدان الشرق الأوسط، حيث تُصنف قطر على قائمة أكثر البلدان التي تعاني من الإجهاد المائي في العالم وفقًا لمعهد الموارد العالمية. ومع ذلك، فقد نُفذت استراتيجيات التخفيف لكل من الحرارة الشديدة وانخفاض موارد المياه في المنطقة لسنوات عديدة، وهو ما يسمح بالنمو السكاني الذي شهدته قطر، على سبيل المثال.

وتُعدُ درجات الحرارة القياسية مثل تلك التي سُجلت في نصف الكرة الشمالي هذا الصيف ما نتوقع رؤيته بالضبط بسبب تغير المناخ. وتبدو السجلات مذهلة بالفعل: فقد شهد النصف الشمالي من الكرة الأرضية أسخن شهر يوليو على الإطلاق، وكانت الشهور السبعة الأولى من عام 2022 هي الأسخن على الإطلاق. ولا يعتبر تغير المناخ العامل الوحيد الذي يؤدي إلى شدة الجفاف، ولكنه من أهم عوامل حدوث هذه الظاهرة.

التغيرات العالمية في الأنماط المناخية

لا تزال التنبؤات بالتغيرات المستقبلية في هطول الأمطار الموسمية والسنوية في موقع معين غير مؤكدة وتخضع للمزيد من الأبحاث. ومع ذلك، فإن العلماء على ثقة من أن الأماكن الرطبة نسبيًا، مثل المناطق الاستوائية وخطوط العرض الأعلى، ستصبح أكثر رطوبةً، بينما ستصبح الأماكن الجافة نسبيًا في المناطق شبه الاستوائية أكثر جفافًا (الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، 2021). وفي بعض المناطق، يمكن أن تؤدي دورات التغذية المرتدة إلى استمرار الجفاف، حيث تمتص التربة شديدة الجفاف والغطاء النباتي المنخفض المزيد من الإشعاع الشمسي مما يؤدي إلى حدوث تغيرات في أنظمة الطقس مع انخفاض هطول الأمطار، وهو ما يجعل المناطق الجافة بالفعل أكثر جفافًا.

ولا تقف أوروبا، بالطبع، وحدها في مواجهة موجة الحر والجفاف القياسية هذا الصيف. وفي حلقة مفرغة، تَعَيَّن على جنوب غرب الصين (الذي يعتمد على السدود لتوفير ما يصل إلى 75 ٪ من احتياجات توليد الكهرباء)، تعويض الطاقة الكهرومائية المفقودة عبر زيادة استخدام محطات الطاقة التي تعمل بالفحم، وبالتالي زيادة انبعاثات الكربون بشكل كبير، بينما لم يعد من الممكن الوصول إلى موانئ نقل مصادر الطاقة عن طريق السفن بسبب تراجع مستويات نهر اليانغتسي، مما أدى إلى حدوث زيادة كبيرة في نقل الشاحنات. وفي الوقت نفسه، تواجه باكستان فيضانات مدمرة، مع هطول الأمطار بمعدل يقترب من ثلاثة أضعاف متوسط هطول الأمطار على ​​30 عامًا في جميع أنحاء البلاد في بعض الأماكن، وهو ما تسبب في وفاة أكثر من 1,290 شخصًا منذ منتصف شهر يونيو. وقد أصيب ما يقرب من 12,500 شخص، وتضرر أكثر من 33 مليون شخص، أي أكثر من 10 أضعاف سكان قطر، بما في ذلك أكثر من 6.4 مليون في حاجة ماسة إلى المساعدات الإنسانية. ويعيش ما يقرب من 634,000 نازح في المخيمات. وقد تأثرت المنازل وسبل العيش بشكل كبير، حيث يعيش ما يقرب من 634,000 شخص في ملاجئ الإغاثة لحالات الطوارئ.

وبينما اضطرت بريطانيا إلى إعلان حالة الطوارئ الوطنية مع وصول درجة الحرارة إلى 40 درجة مئوية، في مواجهة اضطرابات النقل العام وحظر استخدام خراطيم المياه وتعطل المعدات الحساسة لارتفاع درجة الحرارة - تمكنت قطر من العمل في درجات حرارة تصل إلى 50 درجة مئوية ورطوبة شديدة.

وقد حظيت الجهود المبذولة للتخفيف من آثار التغيرات المناخية على توافر المياه باهتمام متزايد في السنوات الأخيرة، لكنها كثيرًا ما تكون مثيرة للجدل إلى حد كبير. وفي حين أن تحلية المياه تُعدُ حقيقة من حقائق الحياة في قطر، إلا أن هناك عوائق اجتماعية وسياسية رئيسية تحول دون تنفيذها في مناطق أخرى من العالم مثل هنتنغتون بيتش بولاية كاليفورنيا الأمريكية. وقد أصبحت معالجة وإعادة استخدام مياه الصرف الصحي ومياه الصرف الصناعي أمرًا اعتياديًا في دول الشرق الأوسط بما في ذلك دولة قطر.

وعلى الرغم من وجود قبول اجتماعي جيد جدًا لإعادة استخدام المياه لأغراض الشرب والزراعة في أوروبا، يُعاد استخدام 0.16٪ فقط من مياه الصرف الصحي المعالجة الناتجة سنويًا في المملكة المتحدة. وغالبًا ما تُستخدم المياه المعالجة في قطر لري البساتين والأشجار والجزر الخضراء الحضرية ومبادرات التظليل، وهي مبادرات تعمل على تحسين نوعية حياة السكان بشكل كبير. وبمقارنة صور حديقة هايد بارك في لندن ومتنزه أسباير في قطر، يمكن أن يُغفر للمرء خلطه بين الصورة القادمة من الصحراء والصورة الأخرى التي تأتي من خط عرض 51 درجة شمالاً.

هل يمكن للتكنولوجيا أن تساعدنا في إدارة الموارد الطبيعية؟

إذًا، ما الذي يمكن أن تتعلمه المناطق غير المستعدة للجفاف كما هو الحال في نصف الكرة الشمالي من منطقتنا، وكيف يمكن لمعهد قطر لبحوث البيئة والطاقة المساعدة في هذا الأمر؟

نحن بحاجة إلى التفكير بشكل كبير في الحفاظ على موارد الطاقة والمياه، عبر إيجاد طرق أكثر كفاءة وفعالية لإدارتها عندما تكون نادرة أو حتى عند توفرها بشكل زائد. ونحن، في معهد قطر لبحوث البيئة والطاقة، نعكف على تطوير علوم وتكنولوجيا معالجة المياه في درجات الحرارة القصوى بطريقة لا يمكن تحقيقها في أجزاء أخرى من العالم.

ويدرس علماؤنا تنفيذ أنظمة التلميع مثل عمليات الأكسدة المتقدمة، بالشراكة مع أشغال (هيئة الأشغال العامة في قطر)، لضمان إعادة استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة بأمان. ويتضمن ذلك استخدام الأوزون، وبيروكسيد الهيدروجين، والأشعة فوق البنفسجية بأمان وفعالية للتخلص من الملوثات الدقيقة التي يمكن أن تكون ضارة للإنسان أو البيئة. ونحن نطور موادًا مبتكرةً [1] مثل أنظمة خرطوشة تنقية المياه لتنظيف المياه في نقطة الاستخدام، عبر توظيف تكنولوجيا منخفضة الطاقة والتكلفة يمكن تشغيلها حتى باستخدام مضخات يدوية، ومناسبة للنشر في المناطق المنكوبة بالجفاف وفي حالات انقطاع الطاقة التي يمكن أن تحدث أثناء الجفاف والفيضانات بالطبع، عندما لا تكون المياه النظيفة المعالجة متاحة دائمًا بسهولة. كما نبحث عن طرق لحماية محطات تحلية المياه من الكوارث مثل انسكاب النفط وتكاثر الطحال، عبر ابتكار مواد جديدة وعمليات هجينة. ونحن نحمي البيئة أيضًا من أنظمة تحلية المياه عبر ابتكار طاقة أقل [2]، [3]، وأنظمة أقل اعتمادًا على المواد الكيميائية لإنتاج المياه العذبة من البحر، وبالتالي تقليل العبء على البيئة البحرية الثمينة.

ومن الواضح أننا بحاجة إلى التكيف مع هذه الظواهر المتطرفة، سواء كانت درجة الحرارة أو الجفاف أو الفيضانات. وستحتاج الجهود العالمية إلى التركيز على كيفية "تغيير الطريقة التي نبني بها المباني، والطريقة التي نعمل بها وننظر إلى بعض بنيتنا التحتية في ضوء ما يبدو أنه تكرار متزايد لهذه الأنواع من الأحداث"، حسبما ذكر كيت مالثوس، النائب في البرلمان البريطاني أثناء حديثه لهيئة الإذاعة البريطانية.

* تشغل الدكتورة جيني لولر منصب مدير أبحاث أول في مركز أبحاث المياه بمعهد قطر لبحوث البيئة والطاقة التابع لجامعة حمد بن خليفة، بينما يشغل الدكتور محمد رامي الفرا منصب عالم رئيسي في مركز البيئة والاستدامة التابع للمعهد.