صيد اللؤلؤ كتراث وطني | جامعة حمد بن خليفة

الدكتور ألكسندر كيرو، أستاذ مشارك، كلية الدراسات الإسلامية في جامعة حمد بن خليفة

الهيئة:  كلية الدراسات الإسلامية
صيد اللؤلؤ كتراث وطني

من "قديم الزمان" وحتى اكتشاف النفط، وفّر صيد اللؤلؤ فرصًا للعمل والمعيشة لسكان المشيخات المطلة على الخليج العربي. ولأنه كان النشاط الأساسي في المنطقة في تلك الأزمان، فقد شكّل صيد اللؤلؤ أيضًا النظرة الاجتماعية والثقافية للمنطقة، حيث كانت مهنة مغرية ومخيفة في نفس الوقت، وارتبطت أحيانًا - كما يصورها الفيلم الكويتي "بس يا بحر" المنتج في عام 1972 - بالجشع والبؤس والعناد.

وحتى خلال فترة ازدهاره في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، كان صيد اللؤلؤ مشروعًا محفوفًا بالمخاطر وغالبًا غير مشكور، يعمل وفق أسس هرمية وعرقية. وكما يوضح بيت بن جلمود في مشيرب، تألفت قوة الغوص من عدد كبير من العبيد. وحتى الغواصون، الذين كانوا أصلاً أحرارًا، فقد اضطروا في كثير من الأحيان إلى العمل في صناعة اللؤلؤ من أجل سداد ديونهم، وأحيانًا ديون آبائهم. وقد أصبح خضوعهم أكثر صعوبة بسبب القوانين العرفية والممارسات القانونية التي فضلت قباطنة المراكب والتجار.

وقد أدى اكتشاف النفط والغاز والاستفادة منهما في النصف الثاني من القرن العشرين إلى تحول كبير في قطر والمنطقة، ما وضع حدًا لصعوبات الماضي ومعاناته. ومع ذلك، لم يختف اللؤلؤ من المشهد الثقافي والسياسي لدول الخليج في الوقت الحاضر. ومنذ مطلع هذا القرن، هناك محاولات حثيثة لإحياء صيد اللؤلؤ ودمجه في صناعة تراثية تنتشر عبر جميع أنحاء المنطقة.

يتجلى الاحتفال بصيد اللؤلؤ كجزء من التراث الوطني في دولة قطر في متاحف الدوحة، ومؤلفات المؤسسة العامة للحي الثقافي - كتارا، ومهرجان الضوء التقليدي السنوي، ومسابقة سنيار للغوص واصطياد اللؤلؤ، حيث تتجه مبادرات الدولة نحو بناء الأمة، وتعزيز الأصالة الثقافية والتجانس، وغالبًا ما تؤكد على الدور الذي تضطلع به الأسر الحاكمة في حماية الثقافات المحلية من العولمة وهجماتها المتوالية.

ومع ذلك، فإن الإنتاج الثقافي المعاصر الذي يدور حول صيد اللؤلؤ في الخليج قد فاق مشاريع الدولة وأجنداتها. فيعتمد الفنانون وصناع الأفلام والمنتجون في المجالات الثقافية الأخرى بشكل خلاق على تجارة اللؤلؤ لمعالجة المخاوف الحالية. وتدرّج لوحة يوسف الشريف لعام 1984، التي تُعرض حاليًا في معرض متحف "تجربة إلى الأمام: الفن والثقافة في الدوحة من 1960 إلى 2020"، اللآلئ في السرد الوطني لعملية التقدم ومسيرة التطور. ويتناول فيلم محمد الإبراهيم في 2011 "أرض اللؤلؤ" بالتعليق على انتقال المعرفة بين الأجيال، وفقدان الروابط المشتركة، وقيم التضحية. وفي المتحف الوطني، يصور فيديو "نفس" لميرا ناير عواقب غياب البحارة لفترات طويلة على الحياة الأسرية. تميل هذه الأعمال إلى تقديم صناعة صيد اللؤلؤ كمشروع قائم على المساواة بين أفراد الأسرة والأصدقاء، وتؤكد على التضامن والهدف المشترك والبر والصلاح المعهودين للبحارة. كما تستجيب هذه الأعمال للمخاوف المعاصرة بشأن العلمنة وتفكك الهياكل الأسرية وتفتت أنظمة العمل المعاصرة. وبدلاً من النظر إلى الصور المعاصرة لصيد اللؤلؤ كمحاولات للحفاظ على تقليد مهدد بالانقراض وخبرة معرفية آخذة في التلاشي، يشكل الحشد الذي يشهده القرن الحادي والعشرين بشأن صيد اللؤلؤ في الإنتاج الثقافي المحلي محاولة لتصور علاقات اجتماعية وسياسية جديدة، بطرق تخاطب الاهتمامات المعاصرة حول العولمة، والتغيير الحادث عبر الأجيال، والتحولات التي شهدتها العلاقة بين الدولة والمجتمع في منطقة الخليج.