أسباب نجاح بروتوكول مونتريال وتعثر اتفاقية باريس

محمد أيوب*

الهيئة:  معهد قطر لبحوث البيئة والطاقة
 أسباب نجاح بروتوكول مونتريال وتعثر اتفاقية باريس

بصمتي الكربونية هي 14,333 كيلو جرام من ثاني أكسيد الكربون الذي ينبعث إلى الغلاف الجوي كل عام. وبدون وضع هذا الرقم في سياقه الصحيح، قد لا يعني الكثير بالنسبة لمعظم الناس، ولكنه ربما يبدو مرتفعًا نوعًا ما. وبحسابات عام 2019، تساوي هذه البصمة تقريبًا نفس البصمة التي يحدثها الشخص الذي يعيش في لوكسمبورغ، و3.3 أضعاف المتوسط العالمي تقريباً. وفي هذا السياق، يعلم المرء الآن أنني أساهم في تغير المناخ بشكل غير متناسب وبمعدل أعلى من الغالبية العظمى من الناس في جميع أنحاء العالم. ويأتي أكثر من ثلث بصمتي الكربونية من السفر باستخدام الطائرات، وهو إلى حد بعيد أكبر مصدر لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري. ومن بين أكبر المساهمين الآخرين في هذه الانبعاثات قيادة السيارات، والطعام الذي أتناوله إذا كنت أتناول الكثير من اللحوم، ومصادر في منزلي مثل تكييف الهواء، والإضاءة، واستخدام المياه.

وإذا كنت أرغب في خفض بصمتي الكربونية إلى المتوسط العالمي، فسوف يتعين عليَّ تغيير كل جانب من جوانب حياتي تقريبًا. هذا، باختصار، هو السبب في أن اتفاقية باريس والمؤتمر السادس والعشرين للدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، الذي عُقد مؤخرًا في مدينة جلاسكو الاسكتلندية، يبدوان غير فعالين للكثيرين في معالجة حالة الطوارئ المناخية.

وتدخل أسباب الأزمة، وهي غاز ثاني أكسيد الكربون وغازات الاحتباس الحراري، في صلب كل قطاع من قطاعات الاقتصاد الحديث. وسوف يتطلب الحد من غاز ثاني أكسيد الكربون بشكلٍ كافٍ لتقليل بصمتنا الكربونية العالمية وتجنب حدوث كارثة مناخية عبر التخفيف من أزمة تغير المناخ أن نبذل مساعٍ جادة لتحويل النظام الاقتصادي العالمي بعيدًا عن الاعتماد التام على الوقود الأحفوري الذي استمر لمدة قرنين إلى نظام لم يُبتكر بعد.

وترى بعض الدول النامية، لا سيَّما تلك التي لديها احتياطيات كبيرة من الوقود الأحفوري، أن حالة الطوارئ المناخية ليست من صنعها وأنها تُعدُ أزمة قد تمنعها أيضًا من تحقيق الفوائد الاقتصادية المستمدة من تطوير بعض هذه الموارد المربحة. وتتعرض العديد من هذه البلدان لتأثيرات تغير المناخ بشكلٍ هائل.

وتبدو المخاطر التي يفرضها تغير المناخ هائلة، لكن الحلول لم تتضح بعد. وهذا الغموض في مسارنا المستقبلي يضع عقبة هائلة أمام عملية قائمة على إيجاد الحلول ومتفق عليها بالإجماع مثل اتفاقية باريس. لذا، لا بد من طرح بعض الأسئلة على غرار، هل هذا هو أفضل نهج للتعامل مع حالة الطوارئ المناخية؟ وهل يمكن أن يقودنا هذا النهج إلى التصرف بسرعة كافية لتجنب أسوأ النتائج الناجمة عن تغير المناخ؟

هناك سابقة، وهي بروتوكول مونتريال بشأن المواد المستنفدة لطبقة الأوزون، المعروف باسم بروتوكول مونتريال. هذه هي الاتفاقية البيئية متعددة الأطراف، التي اعتُمدت في عام 1987 وسمحت لنا بإبطاء عملية ترقق طبقة الأوزون التي تهدد بحدوث تبعات فورية مثل سرطان الجلد، وإعتام عدسة العين، ومجموعة من الآثار الزراعية والاقتصادية الضارة في جميع أنحاء العالم، وعكس مسارها في نهاية المطاف.

ويتناول كلٌ من بروتوكول مونتريال واتفاقية باريس الانبعاثات العالمية للغازات التي تؤدي إلى حدوث تأثيرات غير مرغوب فيها على صحة الإنسان والأنظمة البيئية الطبيعية. ولسوء الحظ، فإن هذا هو المكان الذي تنتهي فيه أوجه التشابه.

وتجدر الإشارة إلى أن بروتوكول مونتريال هو اتفاق يركز على المشكلة، أي انبعاثات المواد المستنفدة لطبقة الأوزون، حيث يحدد البروتوكول ما لا ينبغي للبلدان أن تفعله، ومتى يجب التخلص التدريجي من المواد المستنفدة لطبقة الأوزون، والتخلص منها نهائيًا، كما أقر البروتوكول إنشاء الصندوق متعدد الأطراف لتقديم المساعدات المالية والفنية للبلدان النامية.

ومن ناحية أخرى، تركز اتفاقية باريس على الحل بدون مسار واضح أو مجموعة من الالتزامات المطبقة بشكل عادل. وبموجب هذه الاتفاقية، طُلب من البلدان تقديم خططها للعمل المناخي، والمعروفة باسم المساهمات المحددة وطنيًا بحلول عام 2020، بهدف الحد من معدل ارتفاع درجة الحرارة في العالم وصولاً إلى "أقل بكثير من 2 درجة مئوية، مع تفضيل وصول هذا المعدل إلى 1.5 درجة مئوية."

وفي أحدث تقرير لها قبل انعقاد المؤتمر السادس والعشرين للدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، قررت اللجنة المعنية بمكافحة تغير المناخ في منظمة الأمم المتحدة أن المساهمات المحددة وطنيًا التي قدمتها الدول "قد تؤدي إلى ارتفاع درجة الحرارة بمعدل 2.7 درجة مئوية بحلول نهاية القرن الحالي"، وهو ما يجعلنا نتجاوز الهدف المنصوص عليه في اتفاقية باريس بمقدار 1.2 درجة، وذلك بافتراض أن هذه الدول سوف تفي بالتزاماتها فعليًا.

ويمكن أن تؤدي التعهدات الإضافية التي قدمت في جلاسكو خلال المؤتمر إلى تقليل معدل ارتفاع درجة الحرارة العالمية وصولاً إلى 2.4 درجة، إذا نُفذت هذه التعهدات بحلول عام 2030. كما قدمت العديد من الدول تعهدات بالوصول إلى 'صافي انبعاثات صفري'، وهو ما قد يحد من معدل ارتفاع درجة الحرارة وصولاً إلى 1.8 درجة مئوية. ويتحقق 'صافي الانبعاثات الصفري' عندما تتطابق انبعاثات الغازات الدفيئة في بلد ما مع انبعاثات الغازات التي تزيلها من الغلاف الجوي.

كما كشف المؤتمر عن وجود انقسامات بين البلدان المتقدمة والنامية حول مصطلحات "الخسائر والأضرار"، التي تشير إلى الأضرار الناجمة عن تغير المناخ بفعل صنع الإنسان، وهوية المسؤول عن هذه الخسارة والأضرار، إلى جانب آليات التعويض. ولطالما ضغطت الدول النامية والضعيفة لتحديد تعريفات واضحة لمصطلحات "الخسائر والأضرار"، لكن الدول المتقدمة قاومت الدعوات لإجراء مناقشات مناسبة حول هذه القضية.

وتُعدُ حالة الطوارئ المناخية معقدة في الحلول المطلوبة مثلما هو الحال تمامًا بالنسبة لآثارها المتوقعة في جميع أنحاء العالم. وليس هناك من بد سوى أن تجتمع البلدان للحد من الأضرار الكارثية التي تحدث بفعل تغير المناخ. ويجب أيضًا مطابقة هذا الأمر على مستوى الأفراد، حيث يتعين علينا جميعًا اتخاذ قرارات واعية لتقليل بصمتنا الكربونية.

* يشغل محمد أيوب منصب مدير أبحاث أول في مركز البيئة والاستدامة بمعهد قطر لبحوث البيئة والطاقة، التابع لجامعة حمد بن خليفة.

ملاحظة:

هذا المقال مقدَّم من إدارة الاتصال بجامعة حمد بن خليفة نيابةً عن الكاتب. والآراء الواردة في هذا المقال تعكس وجهة نظر الكاتب، ولا تعكس بالضرورة الموقف الرسمي للجامعة.