صلاة التراويح: مشروعيتها وأحكامها والخلافات المتعلقة بها

حوار مع إبراهيم اللدواي، طالب ماجستير، كلية الدراسات الإسلامية، جامعة حمد بن خليفة

الهيئة:  كلية الدراسات الإسلامية
صلاة التراويح: مشروعيتها وأحكامها والخلافات المتعلقة بها

ما أبرز الخلافات المتعلقة بصلاة التراويح؟ 

كما هو معتاد، يتجدد الخلاف حول هذا الموضوع كل عام، وتطرح كل فرقة ردودها وحججها التي تدحض حجج الفرق الأخرى. ومن الموضوعات الخلافية المعتادة في رمضان أمور متعلقة بصلاة التراويح من حيث حكمها وعدد ركعاتها، بل وأفضل مكان لأدائها؟ وقد قرأتُ مقالاً كتبه شخص يقول فيه "إذا رأيت عدد المصلين في صلاة العصر أو في أي وقت آخر أقل من عددهم في صلاة التراويح، فاعلم أنك في مجتمع متخلف فكريًا ودينيًا."

ما الدليل على مشروعيتها من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة؟

في القرآن الكريم، يقول الله عزَّ وجلَّ ﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ، قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً، نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلا، أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً﴾ (المزمل: 1 – 4)، ويقول تعالى في نهاية السورة ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ﴾ (المزمل: 20).

وروت أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها أن رسولنا الكريم )ﷺ( كان يقوم الليل حتى تتفطر قدماه (صحيح البخاري). ولا أعتقد أن أي شخص يقرأ هذه الكلمات، بمن فيهم أنا، يقوم الليل بأكمله، أو يقومه إلا قليلاً منه، أو يقوم نصفه أو ينقص منه قليلاً أو يزد على ذلك. ويقول الرسول )ﷺ(: (عليكم بما تُطِيقونَ، فوَ اللهِ لا يَمَلُّ اللهُ حتَّى َتملُّوا). وفي الصحيح: "أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل". 

هل هي فرض أم سنة؟

فُرِض قيام الليل على النبي (ﷺ)، حسبما ذكر جمهور العلماء، وهي من السنن المستحبة لعموم المسلمين. ويمكن الاطلاع على الأحكام المتعلقة بصلاة التراويح (القيام) واجتماع المسلمين لأدائها في المسجد خلال شهر رمضان المبارك في صحيح البخاري حيث ذكر أن "رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خَرَجَ ذاتَ لَيْلَةٍ مِن جَوْفِ اللَّيْلِ، فَصَلَّى في المَسْجِدِ، فَصَلَّى رِجالٌ بصَلاتِهِ، فأصْبَحَ النَّاسُ، فَتَحَدَّثُوا، فاجْتَمع أكْثَرُ منهمْ، فَصَلَّوْا معهُ، فأصْبَحَ النَّاسُ، فَتَحَدَّثُوا، فَكَثُرَ أهْلُ المَسْجِدِ مِنَ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ، فَخَرَجَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَصَلَّوْا بصَلاتِهِ، فَلَمَّا كانَتِ اللَّيْلَةُ الرَّابِعَةُ عَجَزَ المَسْجِدُ عن أهْلِهِ حتَّى خَرَجَ لِصَلاةِ الصُّبْحِ، فَلَمَّا قَضَى الفَجْرَ أقْبَلَ علَى النَّاسِ، فَتَشَهَّدَ، ثُمَّ قالَ: أمَّا بَعْدُ، فإنَّه لَمْ يَخْفَ عَلَيَّ مَكانُكُمْ، لَكِنِّي خَشِيتُ أنْ تُفْرَضَ علَيْكُم، فَتَعْجِزُوا عَنْها."

وقد حثَّ الرسول (ﷺ) أمته على الإكثار من الطاعات في رمضان، ووعدهم بغفران ذنوبهم حيث قال (ﷺ): "من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه" (صحيح البخاري). ولهذا، فإن حكم قيام الليل طوال حياة المسلم مستحب للغاية، إذ أن هذه الصلاة من السنن الراتبة وليست مستحبة فقط. لذلك؛ يجب على المسلم أن يصليها قدر المستطاع.

وطالما أن صلاة التراويح ليست فرضًا، يمكن للمرء أن يصلي ما شاء له من الركعات، وقد قال رسول الله (ﷺ): "صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعةً واحدةً تُوتر له ما قد صلى" (رواه البخاري). وقد سئُلت السيدة عائشة: "كيف كانت صلاة رسول الله (ﷺ) في رمضان؟ فقالت: "مَا كَانَ يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلاَ فِي غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُصَلِّي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، فَلاَ تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا، فَلاَ تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَلاَثًا، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ تَنَامُ قَبْلَ أَنْ تُوتِرَ؟ قَالَ: "تَنَامُ عَيْنِي وَلاَ يَنَامُ قَلْبِي" .(صحيح البخاري). 

ولا يوجد دليل على أن النبي (ﷺ) صلى عشرين ركعة في رمضان أو في غيره حسبما روى عمر وعلي رضي الله عنهما. وقال ابن تيمية إن النبي (ﷺ) لم يوقت في قيام رمضان عددًا معينًا من الركعات، بل كان يطيل الركعات فقط ... ومن ظن أن الرسول حدد عددًا معينًا من الركعات فهو مخطئ.

ما أجر صلاة التراويح؟

في صلاة التراويح، يستمع المصلي إلى القرآن وينعم ببركة الصلاة بالمسجد في جماعة مع المسلمين ويحقق قول النبي (ﷺ): "مَنْ قَامَ مَعَ الإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ" (سنن النسائي). ونحن نؤجر على عبادتنا، والزيادة في العبادة ليست بدعة ولا انحرافًا! والحكم الأصيل لهذه الصلاة هو أنها مستحبة، وإذا التزم بها الإنسان كوسيلة للتقرب إلى الله، فسوف يأجره الله ويجزيه خيرًا، وإن لم يكن ذلك فرضًا عليه.