تصميم المساجد المعاصرة
- الصفحة الرئيسة
- غرفة الأخبار
- تصميم المساجد المعاصرة
اختلافات مدهشة بين الشرق والغرب .. بقلم: د.رماح غريب - أستاذ مساعد في كلية الدراسات الإسلامية بجامعة حمد بن خليفة في قطر
على مر التاريخ، كانت العقيدة ولا تزال تمثل واحدة من العناصر الأكثر تأثيرا في الثقافة والحياة اليومية، حيث شكلت، قبل الموقع الجغرافي أو العرق، العديد من الثقافات على الصعيد العالمي وحددتها. وبناء عليه، يطرح السؤال التالي نفسه: كيف تصنف المساجد على خريطة النقاشات الراهنة في زمن العولمة؟
وتشيع الحيرة حول ما يشكل الملامح «الإسلامية» في العمارة بين المعماريين والمخططين المعاصرين، بالإضافة إلى عامة الجماهير. وينظر عدد كبير من الناس إلى العمارة الإسلامية، بما في ذلك المساجد، على أنها مجرد مجموعة من الملامح أو الأنماط المعمارية. وقد أنتج العديد من المعماريين ما يطلقون عليه اسم العمارة «الإسلامية» عبر استكشاف مقاييس المقرنصات، والأقواس المرتفعة وصولا إلى أعلى المباني. ولكن هذه المقاييس لا تمثل مجموع الملامح التي تحدد العمارة الإسلامية أو المساجد أنفسها.
ويمكن العثور على الأشكال المختلفة مثل القباب، والأقواس، والشبكات الخشبية، والمشربيات في الهندسة المعمارية للحضارات الأخرى. وعلاوة على ذلك، لا يعرف الإسلام نفسه بالفضاء، أو الوقت، أو النمط، أو الشكل، حيث يركز على الشخصية الإنسانية، والسلوك والنشاط الإنساني بدلا من مجرد التركيز على الأشياء النمطية. ويسلط العديد من العلماء، في الواقع، الضوء على أن الجوهر الإسلامي للمبنى يعد أكثر إتقانا بكثير مما يمكن أن تعكسه الخصائص المادية للمبنى بشكل حصري. وتختلف الهندسة المعمارية للمساجد من منطقة إلى أخرى، بداية من الأندلس، إلى الشرق الأوسط، وشمال أفريقيا، والشرق الأقصى، وصولا إلى المساجد المعاصرة في الدول الغربية. وتتبع بعض المساجد مظاهر تقليدية، وخصوصا في منطقة الشرق الأوسط وآسيا، حيث لاتزال بعض الهويات المحلية محفوظة ضمن فكرة المظهر والجماليات، إذ تخلف وراءها الإحساس بالقيم والوظائف الفعلية للمسجد.
وهناك توجه آخر يميل إلى تضمين الأنماط المعمارية الغربية في المساجد، وليس من الوارد أن يتغير هذا التوجه نظرا للتطلعات تجاه العولمة. ويمكن أن توفر مسألة ما إذا كان هذا التحول قابلا للانعكاس أم لا موضعا للدراسة والبحث مثيرا للاهتمام، حيث سيشهد استيراد المدن الغربية بالمثل للأنماط التقليدية للعمارة الإسلامية عند بناء المساجد المعاصرة. وبدلا من ذلك، فقد تكون هناك معايير أخرى لطرق تصميم المساجد في العالم الغربي. وسوف تتطلب هذه الممارسة إجراء أبحاث واسعة النطاق لدمج كلا الجانبين، وتقديم رؤى معمارية متجاوبة في المدن ذات الأقليات الإسلامية.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو ما إذا كان يمكن للمساجد المعاصرة أن تعمل باعتبارها مؤسسات تعددية يتحد تحت مظلتها الأشخاص ذوي العقيدة المشتركة ويتفاعلون. وعلى مر التاريخ ومنذ ظهور الإسلام، كانت المساجد تبنى لخدمة المجتمعات المحيطة، وكانت ولا تزال تؤدي دورا كبيرا في تنميتها، حيث كان المسجد يحظى بوضعية حيوية في صميم الحياة اليومية، ويرحب دائما بدخول الزائرين إليه. كما كان المسجد يؤدي دورا مهما يتجاوز حدود وظيفته الدينية، حيث كان يعمل كمؤسسة اجتماعية وإدارية في العديد من العصور.
وفي حين أن المساجد المعاصرة في العالم الإسلامي لا تتبع نفس المسار، تحاول نظيراتها في المدن الغربية إحياء المساجد المجتمعية. ومن الناحية المعمارية، تصمم هذه المساجد باعتبارها مراكز إسلامية تؤدي وظائف متعددة لتوحيد الجاليات الإسلامية المحيطة بها، وللدخول في حوارات بناءة مع المجتمعات الأخرى. ويساهم ذلك في إقامة علاقات وثيقة ووطيدة بين المسجد والمجتمع الإسلامي المحلي، ويتيح لأفراد المجتمع إمكانية ارتياد أقرب المساجد إليهم. وتسمح تلك المراكز للمقيمين باكتساب معارف مهمة من الأنشطة الاجتماعية والثقافية والتعليمية التي تجري في المسجد. وتتميز التوقعات تجاه المساجد في المدن الغربية بأنها أعلى من نظيراتها في العالم الإسلامي بسبب الكثافة المرتفعة للزوار وقلة المساجد المتاحة. وتركز الخدمات التي تقدم في تلك المراكز على الترابط الاجتماعي وتنمية المجتمع من خلال برامج التثقيف الديني، والرفاهة، والأنشطة الخارجية المخصصة للأطفال.
ومن الجدير بالذكر أن المساجد في المدن الغربية تدار إما عن طريق مؤسسات غير حكومية راسخة أو الأسر المقيمة حولها. ويسمح هذا الجانب بقدر معين من المرونة في خدمة المجتمعات وتزويدها بخدمات مبتكرة وفعالة. بالإضافة إلى ذلك، ساهمت تلك الخدمات، في معظم الحالات بالمدن الغربية، في إحياء المبادئ الأساسية التي تنقلها المساجد التاريخية، مثل المسؤولية الاجتماعية، والالتزام تجاه الآخرين، وتعزيز الصالح العام، وليس النمط المعماري أو المظهر المتبع في مدن العالم الإسلامي.
ومن المتوقع أن يوفر المسجد فضاء روحيا ومجتمعيا لخدمة المسلمين في مختلف مجالات الأنشطة، وقد يحدث هذا فقط من خلال إطار عمل لفهم العلاقة بين الدين وتنمية المجتمع. ويمكن تعزيز تنمية المجتمع وتجديد حيويته عبر دعم قيم الأخلاق، والعلاقات الأخوية، والإخلاص، والمعرفة.
وفي حين أن المسجد يعد تصنيفا ظل باقيا على مر العصور، ينبغي تصميمه بطريقة تلبي الاحتياجات المعاصرة للمسلمين، وهو ما سيؤدي إلى الحفاظ على دور المساجد في استقطاب المسلمين، وتأمين الإحساس بالترابط الاجتماعي فيما بينهم.
المصدر: https://www.alanba.com.kw/ar/kuwait-news